معروف، أن «الغابية» تسود العلاقات فيما بين الدول، منذ أن ظهرت هذه الكيانات، حتى الآن. «القوة» هي التي تحكم هذه العلاقات. والتفاوت في مدى القوة بين الدول يؤثر (إيجاباً وسلباً) في العلاقات فيما بينها. ومن ضمن ما ينشأ عن التفاوت في مدى قوة الدول، قيام ظاهرة «الاستعمار»؛ الذي يعنى: إقدام دولة أقوى (نسبيّاً) على حكم، واستغلال، منطقة أو «دولة»، أضعف (نسبيّاً) منها، سواء عبر الاحتلال العسكري المباشر، أو الاحتلال السياسي (الاستعمار غير المباشر/ الاستعمار الجديد). وهذه الظاهرة قديمة قدم البشر، والدول، وإن اختلفت أشكالها وأساليبها، من زمن لآخر. ولكن ظاهرة الاستعمار ارتبطت، في العصر الحديث والمعاصر، بحركة الأطماع والتوسع الأوروبي والغربي، في مناطق العالم النامي (الجنوب).
فمنذ بداية القرن السابع عشر الميلادي، بدأ الأوروبيون يستعمرون -بالقوة المسلحة- مناطق عديدة، وشاسعة، في العالم النامي، ويخضعونها (مباشرة) لحكمهم، بهدف: استغلال إمكانات هذه المناطق المختلفة، لصالح المستعمر الغربي. وقد أدت ظروف الحرب العالمية الثانية، وقيام هيئة الأمم المتحدة، بميثاقها الذي يدعو -ضمن ما يدعو إليه- إلى: تصفية الاستعمار، وضمان «حق تقرير المصير» لشعوب العالم -أو كما يقولون-.. أدت لتوقف هذه الحركة الاستعمارية، رسمياً... إذ نتج عن ذلك، وعن رفض الاستعمار واستنكاره، حركة تصفية كبرى لهذا الاستعمار، الذي كان يعتمد على الاحتلال العسكري المباشر، لبعض الدول والبلدان، وحكمها (مباشرة) لصالح المستعمِر (بكسر الميم الثانية) والذي يشار إليه -الآن- في أدبيات العلاقات الدولية، بـ«الاستعمار القديم».
وهكذا، ولّى عهد الاستعمار القديم، وبدأ عصر «الاعتماد المتبادل»، وترابط مصالح دول العالم، ومؤخراً «العولمة». ولكن بدأ منذ الستينيات من القرن العشرين، استعمار من نوع آخر... عرف بـ«الاستعمار الجديد»... الذي بات امتداداً لسلفه، سيئ الذكر، «الاستعمار القديم»، بل ثبت أن الاستعمار الجديد أشرس وأسوأ -كثيراً- من سابقه، بالنسبة لمن ينزل بهم. ويعرف «الاستعمار الجديد» (Neocolonialism)، أو الإمبريالية (Imperialism)، كما يشير البعض إليه، بأنه: سيطرة دولة أقوى (نسبيّاً) على بلد وسكانه، وإخضاع مقدرات ذلك البلد لإرادة القوى (الأجنبية) واستغلال إمكاناتها المختلفة، لصالح الدولة المهيمنة. وبعض الكتاب يرى أن «الإمبريالية» تعتبر استعماراً غير مباشر... أو استعماراً مخففاً، وشبه خفي... لأن «الإمبريالية» تعني أساساً: فرض الهيمنة السياسية، بما يتبعها من سيطرة اقتصادية واجتماعية. وأبرز «أبطال» الاستعمار الجديد حالياً هي كل من: أمريكا، بريطانيا، فرنسا، بلجيكا، استراليا، هولندا.
****
إن وجود دول أقوى، ودول أضعف، لا يؤدي -بالضرورة- إلى نشوء «الإمبريالية» (الاستعمار)... ما لم يعمد الأقوى على السيطرة على بلدان أخرى، وإقامة علاقات «سيد – مسود» معها، إن لم يجد مقاومة تذكر. إن تحقيق هذه الرغبة الاستعمارية تصعب عندما توجد مقاومة (وطنية) فعالة، وتسهل إن لم توجد مثل هذه المقاومة، أو وجد تواطؤ بين الاستعمار وبعض القوى المحلية، المؤثرة. وكما هو معروف، هناك من حيث مدى «قوة» أي دولة على الساحة الدولية «معايير»... تستخدم لتصنيف دول العالم، وأهمها: عناصر القوة الخشنة، زائداً عناصر القوة الناعمة. وبناء على ذلك، تقسم دول العالم إلى سبعة أنواع، هي بالترتيب التنازلي: الدولة العظمى، الكبرى، الكبيرة، المتوسطة، الصغيرة، الصغرى، الدويلة. ولا شك، أن «تأثير» الدولة العظمى في العلاقات الدولية (وقدرتها على تحقيق أهداف سياساتها الخارجية، بالتالي) أكبر من تأثير وقدرة الدولة الكبرى. وتأثير «الكبرى» أكبر من تأثير وقدرة «الكبيرة»، وهكذا.
ومن حيث مدى «تحكم» الأقوى -نسبياً- في غيره من الدول الأضعف (نسبياً) فاإن مدى «التحكم» هذا يتفاوت من حالة لأخرى. إذ يعتمد على عوامل عدة؛ أهمها: مدى مقاومة النظام السياسي المعنى لهيمنة الأجانب، ومدى وعي الشعوب المعنية وحرصها على حقوقها. وهناك أوضاع عدة في هذا الشأن، تتدرج من التحالف، إلى الخضوع التام.
***
إن أهم ما يدفع أية دولة لممارسة «الإمبريالية»، هو: قدرتها (النسبية) على الهيمنة على آخرين (ما لديها من قوة). وغالباً ما يكون هدف المستعمرين الرئيس اقتصادياً بامتياز، يتمثل في الهدف الاقتصادي: المتمثل في: الحصول على ثروات وموارد طبيعية، ومواد خام.. بأقل تكلفة ممكنة. وفتح أسواق جديدة لتصريف منتجاتها من السلع والخدمات، والأسلحة. وهناك، بالطبع، أهداف سياسية واجتماعية وأمنية، لا تخفى عن المراقبين.
****
ولقد ساهم الاستعمار القديم في بناء بعض عناصر البنى التحتية في مستعمراته السابقة. كما نشر -عن غير قصد- الكثير من المبادئ والأفكار الإيجابية... مثل: الوعي بضرورة النمو والتنمية، وحتمية الاهتمام بالصحة والتعليم، وضرورة التنظيم والحكم الجيدين، في إطار قانوني بناء، وغير ذلك. وهذه الأفكار والمبادئ تمثل طموحات كل شعوب دول العالم، وخاصة العالم النامي.
ولكن هذه الإيجابية تكاد لا تذكر، أمام السلبيات الضخمة التي تمخضت عن الاستعمار، بنوعيه (الجديد والقديم) بالنسبة للدول النامية بخاصة. فالاستعمار يأخذ من هذه البلدان أضعاف ما قد يعطيها. كما أن الاستعمار الجديد يحاول -في الغالب- عدم نشر المبادئ الإيجابية التي من شأن تبني المستعمرين لها أن ترفع من شأنهم، أو تقوي موقفهم، تجاه الغزاة والمهيمنين. والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى.
****
ويشهد العالم تواجد الاستعمار الجديد بقوة الآن في قارة أفريقيا، وبعض أجزاء من قارة آسيا. والواقع، أن قارة أفريقيا تظل هي أكثر قارات العالم معاناة من الانقلابات العسكرية. إذ شهدت، بدولها الـ53 «المستقلة»، حوالى 200 انقلاب عسكري، منذ استقلال دولها في الستينات من القرن الفارط. هناك دول «مستقلة» رسمياً، ولكن معظم قراراتها ليس بيدها، بل بيد المهيمن عليها، سواء عبر انقلاب عسكري، أو غيره.
عزمت على كتابة مقال، عن الانقلابات العسكرية بأفريقيا، فوجدتني أتطرق لظاهرة «الاستعمار الجديد»، التي تعتبر أفريقيا ساحتها الرئيسة الآن. ومعروف، أن الاستعمار الجديد يأتي غالباً عبر انقلابات عسكرية، رغم أن بعض هذه الانقلابات إنما اندلعت -أصلاً- ضد هذا الاستعمار، كما سنوضح في مقالنا القادم.
فمنذ بداية القرن السابع عشر الميلادي، بدأ الأوروبيون يستعمرون -بالقوة المسلحة- مناطق عديدة، وشاسعة، في العالم النامي، ويخضعونها (مباشرة) لحكمهم، بهدف: استغلال إمكانات هذه المناطق المختلفة، لصالح المستعمر الغربي. وقد أدت ظروف الحرب العالمية الثانية، وقيام هيئة الأمم المتحدة، بميثاقها الذي يدعو -ضمن ما يدعو إليه- إلى: تصفية الاستعمار، وضمان «حق تقرير المصير» لشعوب العالم -أو كما يقولون-.. أدت لتوقف هذه الحركة الاستعمارية، رسمياً... إذ نتج عن ذلك، وعن رفض الاستعمار واستنكاره، حركة تصفية كبرى لهذا الاستعمار، الذي كان يعتمد على الاحتلال العسكري المباشر، لبعض الدول والبلدان، وحكمها (مباشرة) لصالح المستعمِر (بكسر الميم الثانية) والذي يشار إليه -الآن- في أدبيات العلاقات الدولية، بـ«الاستعمار القديم».
وهكذا، ولّى عهد الاستعمار القديم، وبدأ عصر «الاعتماد المتبادل»، وترابط مصالح دول العالم، ومؤخراً «العولمة». ولكن بدأ منذ الستينيات من القرن العشرين، استعمار من نوع آخر... عرف بـ«الاستعمار الجديد»... الذي بات امتداداً لسلفه، سيئ الذكر، «الاستعمار القديم»، بل ثبت أن الاستعمار الجديد أشرس وأسوأ -كثيراً- من سابقه، بالنسبة لمن ينزل بهم. ويعرف «الاستعمار الجديد» (Neocolonialism)، أو الإمبريالية (Imperialism)، كما يشير البعض إليه، بأنه: سيطرة دولة أقوى (نسبيّاً) على بلد وسكانه، وإخضاع مقدرات ذلك البلد لإرادة القوى (الأجنبية) واستغلال إمكاناتها المختلفة، لصالح الدولة المهيمنة. وبعض الكتاب يرى أن «الإمبريالية» تعتبر استعماراً غير مباشر... أو استعماراً مخففاً، وشبه خفي... لأن «الإمبريالية» تعني أساساً: فرض الهيمنة السياسية، بما يتبعها من سيطرة اقتصادية واجتماعية. وأبرز «أبطال» الاستعمار الجديد حالياً هي كل من: أمريكا، بريطانيا، فرنسا، بلجيكا، استراليا، هولندا.
****
إن وجود دول أقوى، ودول أضعف، لا يؤدي -بالضرورة- إلى نشوء «الإمبريالية» (الاستعمار)... ما لم يعمد الأقوى على السيطرة على بلدان أخرى، وإقامة علاقات «سيد – مسود» معها، إن لم يجد مقاومة تذكر. إن تحقيق هذه الرغبة الاستعمارية تصعب عندما توجد مقاومة (وطنية) فعالة، وتسهل إن لم توجد مثل هذه المقاومة، أو وجد تواطؤ بين الاستعمار وبعض القوى المحلية، المؤثرة. وكما هو معروف، هناك من حيث مدى «قوة» أي دولة على الساحة الدولية «معايير»... تستخدم لتصنيف دول العالم، وأهمها: عناصر القوة الخشنة، زائداً عناصر القوة الناعمة. وبناء على ذلك، تقسم دول العالم إلى سبعة أنواع، هي بالترتيب التنازلي: الدولة العظمى، الكبرى، الكبيرة، المتوسطة، الصغيرة، الصغرى، الدويلة. ولا شك، أن «تأثير» الدولة العظمى في العلاقات الدولية (وقدرتها على تحقيق أهداف سياساتها الخارجية، بالتالي) أكبر من تأثير وقدرة الدولة الكبرى. وتأثير «الكبرى» أكبر من تأثير وقدرة «الكبيرة»، وهكذا.
ومن حيث مدى «تحكم» الأقوى -نسبياً- في غيره من الدول الأضعف (نسبياً) فاإن مدى «التحكم» هذا يتفاوت من حالة لأخرى. إذ يعتمد على عوامل عدة؛ أهمها: مدى مقاومة النظام السياسي المعنى لهيمنة الأجانب، ومدى وعي الشعوب المعنية وحرصها على حقوقها. وهناك أوضاع عدة في هذا الشأن، تتدرج من التحالف، إلى الخضوع التام.
***
إن أهم ما يدفع أية دولة لممارسة «الإمبريالية»، هو: قدرتها (النسبية) على الهيمنة على آخرين (ما لديها من قوة). وغالباً ما يكون هدف المستعمرين الرئيس اقتصادياً بامتياز، يتمثل في الهدف الاقتصادي: المتمثل في: الحصول على ثروات وموارد طبيعية، ومواد خام.. بأقل تكلفة ممكنة. وفتح أسواق جديدة لتصريف منتجاتها من السلع والخدمات، والأسلحة. وهناك، بالطبع، أهداف سياسية واجتماعية وأمنية، لا تخفى عن المراقبين.
****
ولقد ساهم الاستعمار القديم في بناء بعض عناصر البنى التحتية في مستعمراته السابقة. كما نشر -عن غير قصد- الكثير من المبادئ والأفكار الإيجابية... مثل: الوعي بضرورة النمو والتنمية، وحتمية الاهتمام بالصحة والتعليم، وضرورة التنظيم والحكم الجيدين، في إطار قانوني بناء، وغير ذلك. وهذه الأفكار والمبادئ تمثل طموحات كل شعوب دول العالم، وخاصة العالم النامي.
ولكن هذه الإيجابية تكاد لا تذكر، أمام السلبيات الضخمة التي تمخضت عن الاستعمار، بنوعيه (الجديد والقديم) بالنسبة للدول النامية بخاصة. فالاستعمار يأخذ من هذه البلدان أضعاف ما قد يعطيها. كما أن الاستعمار الجديد يحاول -في الغالب- عدم نشر المبادئ الإيجابية التي من شأن تبني المستعمرين لها أن ترفع من شأنهم، أو تقوي موقفهم، تجاه الغزاة والمهيمنين. والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى.
****
ويشهد العالم تواجد الاستعمار الجديد بقوة الآن في قارة أفريقيا، وبعض أجزاء من قارة آسيا. والواقع، أن قارة أفريقيا تظل هي أكثر قارات العالم معاناة من الانقلابات العسكرية. إذ شهدت، بدولها الـ53 «المستقلة»، حوالى 200 انقلاب عسكري، منذ استقلال دولها في الستينات من القرن الفارط. هناك دول «مستقلة» رسمياً، ولكن معظم قراراتها ليس بيدها، بل بيد المهيمن عليها، سواء عبر انقلاب عسكري، أو غيره.
عزمت على كتابة مقال، عن الانقلابات العسكرية بأفريقيا، فوجدتني أتطرق لظاهرة «الاستعمار الجديد»، التي تعتبر أفريقيا ساحتها الرئيسة الآن. ومعروف، أن الاستعمار الجديد يأتي غالباً عبر انقلابات عسكرية، رغم أن بعض هذه الانقلابات إنما اندلعت -أصلاً- ضد هذا الاستعمار، كما سنوضح في مقالنا القادم.