-A +A
فهد إبراهيم الدغيثر
هيئة الترفيه السعودية تجاوزت مجرد الترفيه إلى التوثيق والإبداع وإغناء المكتبة السمعية والمرئية بمناسبات فنية ضخمة بكل المقاييس. فضلاً عما تقدمه وزارة الثقافة أيضاً، وهو الآخر أكثر من رائع، ولعلنا نتناول تفاصيله لاحقاً. المملكة أخذت زمام المبادرة في تكريم وتأصيل أروع الألحان لأعظم الفنانين العرب وفي طليعتهم بالطبع أم كلثوم وعبدالحليم وطلال وأبو بكر سالم ووردة وفريد وفيروز ونجاة رحمهم الله جميعاً، وتحولت تسجيلات هذه المناسبات إلى أرشيف كبير وممتع لأهل الثقافة والفن العربي والعالمي.

ليلة الموجي قبل شهرين لم تكن مجرد حفلة غنائية مع فرقة موسيقية ومختارات معينة من ألحانه. كانت حدثاً عظيماً لم يخطر على البال. الفرقة الموسيقية لوحدها كانت رواية رائعة. اختيار الألحان وأداء الفنانين أروع. وبما أن الموجي من مصر الشقيقة فالفرقة وقائدها وليد فايد مصريون بل أساتذة للعزف في مصر كل في تخصصه. حقيقة لم أشاهد مثل ذلك الانضباط والإتقان في أي فرقة موسيقية بهذا الحجم. غردت حينها معلقاً: إذا هذه ليلة الموجي فكيف ستكون ليلة بليغ حمدي؟ لم أكن أعلم حينها أن ليلة بليغ حمدي يخطط لها وستأتي.


وقد أتت فعلاً قبل أسبوعين وما كان مؤسفاً على المستوى الشخصي أنني كنت خارج البلاد، ولم ألبِّ دعوة تلقيتها من أحد الأصدقاء الأعزاء لحضور تلك الأمسية الأجمل والأروع لكنوز بليغ حمدي.

الخميس سيتم رفع الستار عن ليلة العملاق رياض السنباطي، وهذه بالطبع مختلفة. ذلك أن السنباطي -رحمه الله- كان متخصصاً وعظيماً في تلحين قصائد الشعر العمودي للراحلة العظيمة أم كلثوم. رغم الخلاف العارض المؤقت بينهما لفترة توقف قصيرة، فقد أبدع هذا العبقري الكبير قبل التوقف وبعده في تطويع بعض القصائد العظيمة لحناً. إبداع السنباطي وأداء «الست» أصبح في وجدان عقول العرب من شرقهم لغربهم منذ أربعينات القرن الماضي إلى اليوم. هل يتصور أحد منا وجود ملحن في هذا الزمان، أو حتى مستقبلاً، قادر على صياغة موسيقية ممتعة لأبيات كهذه..

سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها

واستخبروا الراح هل مست ثناياها

وأنا احتسي مدامع قلبي

حين لم تلقني لتسأل ما بي

لا تشغل البال بماضي الزمان

ولا بآت العيش قبل الأوان

أغار من نسمة الجنوب

على محياك يا حبيبي

وأحسد الشمس في ضحاها

وأحسد الشمس في الغروب

كأني طاف بي ركب الليالي

يحدث عنك في الدنيا وعني

وما أنا بالمصدق فيك قولا

ولكني شقيت بحسن ظني

ويُسأل فى الحوادث ذو صواب

فهل ترك الجمال له صوابا

يقظة طاحت بأحلام الكرى

وتولى الليل والليل صديق

وإذا النور نذيرٌ طالعٌ

وإذا الفجر مطلٌ كالحريق

العودة بهذه القوة لكلمات وألحان كهذه ليستمع ويستمتع بها جيل اليوم تعتبر نوعاً من المغامرات الكبيرة لولا الحرص التام وتسخير كل الجهود لإظهارها كما ظهرت سابقتيها. يضاف بالطبع لهذه المعزوفات الخالدة (يا ظالمني) و(الحب كده) و(لسه فاكر) و(أراك عصي الدمع) و(أروح لمين).. إلى بقية قائمة تلك الدرر الماسية.

لا أملك إلا تسجيل الشكر للقائمين على هيئة الترفيه من هرمها إلى أصغر المسؤولين. كأي متابع سعودي للفن الأصيل، أشعر حقيقة بالفخر بوجود مبادرات وابتكارات خلاقة بهذا الحجم. من كان يتصور أن نقوم بإنتاج هذه التحف الفنية الراقية ونعيد نشرها بأفضل جودة هندسية وفنية في مسرح من قلب الرياض وليس القاهرة أو بيروت أو دبي، قبل ست سنوات فقط.