-A +A
محمد مفتي
لعلي لن أبالغ إن قلت إن بعض الفتن الطائفية التي لا تزال مستعرة حتى الآن هي نتاج لصراعات حدثت منذ قرون بعيدة، وهي الفتن التي لا تزال تتسبب في فرقة أبناء الدين والدم الواحد، غير أن تلك الفتن باتت الآن أكثر خطورة عما كانت في الماضي بسبب ثورة الاتصالات الحديثة وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما ساهم في نشر السموم الفضائية والتي أسهمت في تعميق الخلافات وتحويل تلك المنصات لساحات حرب وتنابز بالألقاب، كما أنه أسهم في جعل المنشورات التحريضية وجبة جاهزة في كل بيت تقتحمه بدون استئذان.

نعرف جميعاً أن تدمير مبنى مشيد طبقاً لأحدث النظم المعمارية لا يتطلب أكثر من ضربة معول قوية لينهار بالكامل على رؤوس ساكنيه، ويتكرر نفس الأمر بالنسبة للمجتمعات، فالتحريض المستمر لأفراد المجتمع واستثارة مشاعرهم بمعسول الكلام وتأليبهم من خلال الخطب الرنانة ضد ولاة الأمر يؤدي -دون جدال- لانهيار المجتمعات وتفكك أوصالها، والهدف غير المعلن الذي يجمع بين كافة تلك الجراثيم البشرية هو تشويه الأنظمة الحاكمة أمام شعوبها، وبسقوطها تنهار بقية مؤسسات الدولة وتدخل في حالة فراغ أمني وسياسي، تمهيداً لإصابتها بكافة الآفات المزمنة والتي لا تتوقف عند حد الحرب الأهلية، فالوطن سيتحول وقتها بين عشية وضحاها إلى حلبة لتنافس القوى الأجنبية تنتهي بتمزقها.


تلجأ تلك الجراثيم المشبوهة لارتداء عباءة المصلحين ليتمكنوا من تشويه صورة الدولة، وقد نجد البعض منهم وقد ارتدى عباءة الدين وقام باستخدام منهج التكفير التقليدي، ونظراً لأن المجتمعات المسلمة هي مجتمعات متدينة بطبعها، فإن مدخل التأليب الفكري قد يؤثر على من لا يجيد قراءة ما بين السطور، ممن يسهل توجيههم بسهولة والتحكم في سلوكياتهم لحثهم على رفض القرارات التي تتخذها الدولة للصالح العام.

كثيرة هي الشعارات التي يختبئ خلفها هؤلاء المرجفون ويتخذونها جسراً لتحقيق أهدافهم غير المشروعة، كالدين حيناً والحريات الشخصية وحقوق الإنسان أحياناً أخرى، ومما لا شك فيه أن المملكة منذ تأسيسها وهي هدف لتجّار الفتنة، غير أن الفترة الحالية تشهد نشاطاً متزايداً لهؤلاء المضللين بسبب العديد من الإصلاحات الجذرية التي قادها الأمير الشاب محمد بن سلمان وأهمها اجتثاث الفكر الضال.

يعرف الجميع الكثير من تلك الوجوه الكالحة ولعل أبرزها سعد الفقيه الذي يبث سمومه عبر منابر إعلامية متعددة بمسميات مختلفة تظهر عداءها السافر للمملكة، حيث يقوم هو ومن على شاكلته بانتقاد كل قرار وكل مشروع وكل خطوة تقوم بها المملكة حتى لو حققت نجاحاً مبهراً، وأي متتبع لأنشطة سعد الفقيه الفكرية المشبوهة سرعان ما سيدرك سعيه المستمر لتصيّد أي حدث والنفخ في جوانبه السلبية لتشكيك المواطن السعودي في قيادته، ومفرداته تشبه الأسطوانة المشروخة المكررة، وهو لا يتوقف عن النقد الهدام وهو قابع في جحره في إحدى الدول الغربية خالي الوفاض إلا من الحقد الذي يأكل في جسده.

من المؤكد أننا لسنا مجتمعاً من الملائكة ولا ندعي المثالية في كل شيء، ومن الطبيعي أن الخطأ وارد في أي إنجاز، ومن الواضح أن الفقيه فقد السيطرة على نفسه مؤخراً، فقد بات عصبياً في نقده لأي قرار إصلاحي جديد تقوم به المملكة، كما أنه يقوم بتحميل المملكة مسؤولية حدوث أي فوضى إقليمية وكأن المملكة هي المسؤولة عن كل ما يحدث في المنطقة، وتوضح تصريحاته المنفرة كيف فاض الكيل به جراء فشله، كما أن تناوله لما يقوم بطرحه يدل على السفاهة والحقد المبيت، وهو يلجأ في كثير من الأحيان إلى استغلال الأحداث الإقليمية لينتقد من خلالها ولاة الأمر والمسؤولين في الدولة، وبحجج واهية أو من خلال تصيّد بعض الأحداث هنا أو هناك والنفخ فيها ليدعم أفكاره ويكسبها الجماهيرية الشعبية التي يفتقدها.

لا يلعب هؤلاء المنشقون على وتر تكفير النظام السياسي فحسب، بل يقومون بتكفير كافة مقومات الدولة ذاتها، بداية من علمائها نهاية بقضاتها مروراً بكافة هيئاتها ومؤسساتها ومنظماتها، والرهان على توقفهم هو حلم ساذج لا يرتجى تحققه، لذا نحن لا نعول إلا على وعي الشعب السعودي وعلى جهد مؤسسات الدولة الإعلامية والثقافية والتوعوية والتربوية، فهي الوحيدة القادرة على اجتثاث سموم تلك الأفاعي التي تبحث عن لُحمة الجسد السعودي لتشقها وتبث داخلها سمومها، ويقع عليها عبء الإرشاد والتوجيه والتثقيف الفردي والمجتمعي والتحذير من سعد الفقيه ومن هم على شاكلته، فإن كان الغراب دليل قوم.. سيهديهم حتماً إلى دار الخراب.

كلمة أخيرة: يقول جيفارا «إذا استطعت أن تقنع الذبابة أن الزهور أفضل من القمامة.. عندها تستطيع أن تقنع الخونة أن الوطن أغلى من المال».