تاريخياً: مرت استراتيجية الأمن وإثبات الوجود الإسرائيلية بثلاث مراحل ردع رئيسية. في البداية، عند قيام الكيان بموجب قرار التقسيم رقم: 181، لسنة 1948، ركزت إسرائيل خطتها الدفاعية، بالأحرى العدوانية، على محيط حدود الكيان اللصيقة، لتحقيق هدفين استراتيجيين أساسيين. الأول: بدء تنفيذ خطة توسعية للاستحواذ على كامل فلسطين التاريخية. الثانية: الشروع لبناء قوة ردع إقليمية تخدم أطماعها التوسعية بإقامة إسرائيل الكبرى، كقوة إقليمية مهيمنة مُهَابَة.
استغل الكيانُ اللقيط، بمساعدة الدول التي دفعت بإقامته، رفض الدول العربية قرار التقسيم، للترويج لدعوى الحدود الآمنة. دخل العربُ في حربٍ مع الكيان، غير متكافئة، لم يكونوا مستعدين لها، أسفرت عن هزيمتهم وقضم أراضٍ من الدولة الفلسطينية، ليصل توسع الدولة العبرية لغرب القدس.. واحتلال عكا والناصرة وغرب الجليل الأعلى، شمالاً.. وأسدود وكامل يافا وضمها لتل أبيب في الوسط.. وغرب النقب جنوباً. كما تم استيلاء الكيان على قرية أم الرشراش المصرية (إيلات)، على رأس خليج العقبة. هذا التوسع الأول للكيان جرى فرض واقعة بهدنة اتفاقات رودوس 1949، مع مصر والأردن وسوريا ولبنان، مما يعني إنهاء واقعي للدولة العربية (فلسطين).
تلك كانت خريطة فلسطين التاريخية، حتى صبيحة الرابع من يونيو 1967، حين اندلعت حرب الأيام الستة. في تلك الحرب احتلت إسرائيل كامل فلسطين التاريخية، مع مرتفعات الجولان السورية.. وكامل شبه جزيرة سيناء المصرية. بهذا التوسع الجديد (الثاني) للكيان، أصبح شبه مستحيل الحديث عن دولة فلسطينية، التي لم تقم أساساً إلا لساعات، وعلى الورق. الأهم: جرى تعزيز المكانة الاستراتيجية لإسرائيل كقوة إقليمية مهيمنة، لا يفيدها أو يضيرها، من الناحية الواقعية والقانونية، اعتراف جيرانها بها، من عدمه.
من الناحية الاستراتيجية أيضاً: حربُ يونيو 1967، كانت أقصى ما يمكن أن تصل إليه استراتيجية إسرائيل التوسعية. في المقابل: رغم ترويعهم وإجبارهم مغادرة أراضيهم، وتشتيت الكثيرين منهم كلاجئين، داخل «إسرائيل» وبعض الدول العربية والعالم، فرض الفلسطينيون واقع وجودهم على أرضهم، مطالبين بكامل فلسطين التاريخية. الفلسطينيون، في أرض فلسطين التاريخية، يشكلون اليوم ما يقرب من عدد اليهود، إن لم يزيدوا عليهم، بينما كان نصيبهم من الأرض، وفق قرار التقسيم، 42.3%، مقابل 57.7%، اغتصبه الصهاينة.
حربُ أكتوبر 1973، مثّلت أول تحدٍّ عربيٍّ استراتيجيٍّ لمشاريع إسرائيل التوسعية. صحيح أن نهاية الحرب لم تكن كبدايتها، لكن نتائجها البعيدة أعادت سيناء لمصر.. وإحداث تعديلات طفيفة على الجبهة الشمالية مع سوريا، وفشل حملة غزو لبنان (1982 – 2000). بحرب 1973 تكون إسرائيل قد استنفذت استراتيجيتها التوسعية مداها الإقليمي.
من نتائج حرب أكتوبر الإستراتيجية، بعيدة المدى، تخلى العربُ (عملياً) عن استمرار حالة الصراع مع إسرائيل، باعتبار حرب أكتوبر آخر الحروب (النظامية)، مع الدولة العبرية! عندها طوّر العرب ما أسموه بـ «خيار السلام الاستراتيجي» الأمر الذي قابلته إسرائيل بسلوك «متراخٍ» بدا - حينها - أقل تكلفة وأجدى عائداً، قَلَبَ استراتيجية الردع الإسرائيلية التقليدية، رأساً على عقب.
بدلاً من أن تركز إسرائيل اهتماماتها الدفاعية، حيث الخطر المباشر على أمنها من دول الطوق حولها، وعلى المتغير الفلسطيني داخلها، ركزت بفرضِ حصارٍ مضادٍ، على العرب، من الأطراف البعيدة. من موريتانيا والمغرب، أقصى الغرب، إلى الخليج العربي أقصى الشرق، أقامت إسرائيل علاقات مع دولٍ عربية تراوحت بين الاتصالات الثنائية الرسمية المتقطعة، أحياناً، إلى التطبيع الكامل، الذي يتجاوز اتفاقات السلام التقليدية السابقة، مع بعض دول الطوق. لتُحْكِمَ إسرائيلُ تطويقها للعالم العربي من أطرافه البعيدة، طال نفوذها جنوباً، منطقة البحر الأحمر(إثيوبيا، أريتريا إلى جنوب السودان)، بينما فُتحت لها بوابات القارة السوداء، على مصاريعها.
من أهم تبعات طوفان الأقصى الاستراتيجية، إعادة إسرائيل إلى نقطة البداية (الداخل)، في ما يخص اهتماماتها الأمنية.. وأولويات مشاريعها التوسعية والقبول بوجودها، وأهميتها الإستراتيجية، لمن استثمروا في وجودها. طوفان الأقصى أثبت لإسرائيل استراتيجياً أن الخطر الداهم على أمنها، وعلى مصير وجودها، يكمن على بُعْدِ أمتارٍ من حدودها.. بل في عمق إقليم كيانها اللقيط. المتغير الفلسطيني، كان وما زال وسيظل هاجس الدولة العبرية الأمني الرئيس (الأول)، الذي يتحدى بصورة استراتيجية لا قبل لها به، وجودها، نفسه.
حقيقة استراتيجية لم تغب عن إسرائيل وحدها.. بل عن العرب، أيضاً.
استغل الكيانُ اللقيط، بمساعدة الدول التي دفعت بإقامته، رفض الدول العربية قرار التقسيم، للترويج لدعوى الحدود الآمنة. دخل العربُ في حربٍ مع الكيان، غير متكافئة، لم يكونوا مستعدين لها، أسفرت عن هزيمتهم وقضم أراضٍ من الدولة الفلسطينية، ليصل توسع الدولة العبرية لغرب القدس.. واحتلال عكا والناصرة وغرب الجليل الأعلى، شمالاً.. وأسدود وكامل يافا وضمها لتل أبيب في الوسط.. وغرب النقب جنوباً. كما تم استيلاء الكيان على قرية أم الرشراش المصرية (إيلات)، على رأس خليج العقبة. هذا التوسع الأول للكيان جرى فرض واقعة بهدنة اتفاقات رودوس 1949، مع مصر والأردن وسوريا ولبنان، مما يعني إنهاء واقعي للدولة العربية (فلسطين).
تلك كانت خريطة فلسطين التاريخية، حتى صبيحة الرابع من يونيو 1967، حين اندلعت حرب الأيام الستة. في تلك الحرب احتلت إسرائيل كامل فلسطين التاريخية، مع مرتفعات الجولان السورية.. وكامل شبه جزيرة سيناء المصرية. بهذا التوسع الجديد (الثاني) للكيان، أصبح شبه مستحيل الحديث عن دولة فلسطينية، التي لم تقم أساساً إلا لساعات، وعلى الورق. الأهم: جرى تعزيز المكانة الاستراتيجية لإسرائيل كقوة إقليمية مهيمنة، لا يفيدها أو يضيرها، من الناحية الواقعية والقانونية، اعتراف جيرانها بها، من عدمه.
من الناحية الاستراتيجية أيضاً: حربُ يونيو 1967، كانت أقصى ما يمكن أن تصل إليه استراتيجية إسرائيل التوسعية. في المقابل: رغم ترويعهم وإجبارهم مغادرة أراضيهم، وتشتيت الكثيرين منهم كلاجئين، داخل «إسرائيل» وبعض الدول العربية والعالم، فرض الفلسطينيون واقع وجودهم على أرضهم، مطالبين بكامل فلسطين التاريخية. الفلسطينيون، في أرض فلسطين التاريخية، يشكلون اليوم ما يقرب من عدد اليهود، إن لم يزيدوا عليهم، بينما كان نصيبهم من الأرض، وفق قرار التقسيم، 42.3%، مقابل 57.7%، اغتصبه الصهاينة.
حربُ أكتوبر 1973، مثّلت أول تحدٍّ عربيٍّ استراتيجيٍّ لمشاريع إسرائيل التوسعية. صحيح أن نهاية الحرب لم تكن كبدايتها، لكن نتائجها البعيدة أعادت سيناء لمصر.. وإحداث تعديلات طفيفة على الجبهة الشمالية مع سوريا، وفشل حملة غزو لبنان (1982 – 2000). بحرب 1973 تكون إسرائيل قد استنفذت استراتيجيتها التوسعية مداها الإقليمي.
من نتائج حرب أكتوبر الإستراتيجية، بعيدة المدى، تخلى العربُ (عملياً) عن استمرار حالة الصراع مع إسرائيل، باعتبار حرب أكتوبر آخر الحروب (النظامية)، مع الدولة العبرية! عندها طوّر العرب ما أسموه بـ «خيار السلام الاستراتيجي» الأمر الذي قابلته إسرائيل بسلوك «متراخٍ» بدا - حينها - أقل تكلفة وأجدى عائداً، قَلَبَ استراتيجية الردع الإسرائيلية التقليدية، رأساً على عقب.
بدلاً من أن تركز إسرائيل اهتماماتها الدفاعية، حيث الخطر المباشر على أمنها من دول الطوق حولها، وعلى المتغير الفلسطيني داخلها، ركزت بفرضِ حصارٍ مضادٍ، على العرب، من الأطراف البعيدة. من موريتانيا والمغرب، أقصى الغرب، إلى الخليج العربي أقصى الشرق، أقامت إسرائيل علاقات مع دولٍ عربية تراوحت بين الاتصالات الثنائية الرسمية المتقطعة، أحياناً، إلى التطبيع الكامل، الذي يتجاوز اتفاقات السلام التقليدية السابقة، مع بعض دول الطوق. لتُحْكِمَ إسرائيلُ تطويقها للعالم العربي من أطرافه البعيدة، طال نفوذها جنوباً، منطقة البحر الأحمر(إثيوبيا، أريتريا إلى جنوب السودان)، بينما فُتحت لها بوابات القارة السوداء، على مصاريعها.
من أهم تبعات طوفان الأقصى الاستراتيجية، إعادة إسرائيل إلى نقطة البداية (الداخل)، في ما يخص اهتماماتها الأمنية.. وأولويات مشاريعها التوسعية والقبول بوجودها، وأهميتها الإستراتيجية، لمن استثمروا في وجودها. طوفان الأقصى أثبت لإسرائيل استراتيجياً أن الخطر الداهم على أمنها، وعلى مصير وجودها، يكمن على بُعْدِ أمتارٍ من حدودها.. بل في عمق إقليم كيانها اللقيط. المتغير الفلسطيني، كان وما زال وسيظل هاجس الدولة العبرية الأمني الرئيس (الأول)، الذي يتحدى بصورة استراتيجية لا قبل لها به، وجودها، نفسه.
حقيقة استراتيجية لم تغب عن إسرائيل وحدها.. بل عن العرب، أيضاً.