-A +A
عبده خال
انتهي مهرجان البحر الأحمر السينمائي، والملاحظات تتابعه، أو لنقل التُّهم التي تحاول إعاقته، لكونه مهرجاناً أقيم من أجل تبييض السُّمعة، ومثل هذه التهم التي لا يكون الرد عليها ذا جدوى، وهي تهم من يمسك السلم بالعرض، وليس هذه هي التهم الأولى، فكما كانت التهم تلاحق الترفيه في موسم الرياض، أو التهم التي صاحبت انتقال أشهر لاعبي كرة القدم للدوري السعودي، أو التهم التي رافقت (الفورمولا)، ومهما حدث ويحدث، ستجد المفلسين يطرقون الأبواب لإحداث ضجيج للتشويش، وخلق الأساليب الملتوية للحدِّ من انطلاقة البلد في تدبُّر شؤونه الخاصة، فهم يتنقلون في كل مفاصل مباهجه لإثارة اللغط، ومع مسيرة بلادنا تجد أن لهم في كل وقت حالة، تمحكوا عن تمكين المرأة، وعن انغلاق البلد، أو عن حقوق الإنسان، أو عن غياب التشريعات والقوانين، لهم في كل مفصل تهم يقودونها وفق حقدهم، وليس تطابقاً مع الواقع، ذلك الواقع الذي أوجد مضامير سباق لكل أنواع وحقول الإبداع في جميع مناشط الحياة.. وما أثير عن مهرجان البحر الأحمر السينمائي، هي تهم بدأت -في أول دورة- بعدم وجود شفافية في عرض الأفلام السينمائية، وضعف الأفلام المقدمة، وسيطرة المنفذين غير السعوديين للمهرجان، وتغريب المجتمع، وإحلال قيم مغايرة للقيم الجوهرية للمجتمع، فالتهم في حالة سيالة لا تقف، وكل التهم ستلحق بنا، والحياة تلهمنا بأن من يعمل بدأب لا يعنيه ما يقال، يعنيه في المقام الأول الإنجاز.

والملاحظ أن من يثير زوبعة الكلام لا يتنبهون أن ما يحملونه من تهم، تم تجاوزها، فأولئك الذين يرددون أن بقعتنا الجغرافية هي «سجن للنساء بحجم البلد» أو أننا بلد النفط والجمال، أو أننا دولة منغلقة، أغلبهم ينطلق من تهم قديمة، وتصورات ماضوية ترسخت في أذهان الغرب، وما زالت راسخة في أذهان من لم يزر البلد حالياً، فمن يزورنا الآن سينفض ما في باله من تهم لم تعد تليق بنا، كل من جاء زائراً، وشاهد المجتمع الذي يراهن على المستقبل، سيستوعب أن الأنشطة الفنية أو الاجتماعية أو السياحية تكشف للزائر تلك المغالطات المدسوسة، وسيلحظ أن الحياة في السعودية كبقية دول العالم إن لم تكن في خانة الأفضلية، وأن أجنحة السينما أو الفنون أو الآداب، أو السياحة، أو الرياضة، ما هي إلا أبواب فتحت لرؤيتنا كما نحن عليه.


ومهرجان البحر الأحمر السينمائي أداة من أدوات الفنون فتحت نوافذها للعالم، كحجة فنية على الشفافية، وأن ليس هناك مقصلة أو رقابة لوأد الأفكار، وجراءة الطرح، وهذا الأمر يكون محل تقييم فخري لا محل لوم.. وكل من جاء وفتح فمه دهشةً أو استنكاراً عليه الجلوس في مركز الدائرة ذات المحيط المتسع، الذي يمكِّن الرائي من مشاهدة كل الأنشطة وفق ما يتم ممارسته في عواصم العالم المنفتح، والانفتاح ليس معناه التفسُّخ أو التخفي أو الادعاء، فنحن كما نحن، هكذا نريد أن نعيش كما يعيش العالم حتى الأضواء، والمظاهر المصاحبة للمهرجان السينمائي هي طقوس كل مهرجان سينمائي أينما أقيم، ولو انتقلنا قليلاً للحديث عن الأفلام السعودية التي عرضت فهي ما زالت دون المستوى، وليست ممثلة لنا كحياة اجتماعية أو فكرية، ومن الطبيعي أن تكون البدايات بهذه الرخاوة، وإن كان من عتب، فهو عتب المحبين للجان التي تختار الفيلم السعودي لأن يعرض في مهرجان عالمي وليس فيه أو به مقومات فنية ناجحة، ومن باب التفاؤل ستنجح السينما المحلية لأسباب كثيرة يأتي في مقدمتها الإنفاق المهول لهذه الصناعة، فإن كانت مبتدئة، فهناك مضمار طويل لإثبات الذات، ومن الطبيعي أن لا تكون الأفلام المعروضة على مستوى واحد من الإجادة والإتقان.