-A +A
حمود أبو طالب
هي فضيحة بكل المقاييس تلك التي حدثت في أمريكا مؤخراً عندما تم استدعاء رؤساء ثلاث من أشهر الجامعات في أمريكا والعالم للإدلاء بشهاداتهم في جلسة استماع بالكونغرس حول تزايد معاداة السامية في الحرم الجامعي بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، وجاء الاستدعاء تجاوباً مع اتهام الطلاب والأسر والخريجين اليهود الجامعات بالتسامح مع معاداة السامية بعد مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين.

السيدات الثلاث؛ رؤساء جامعات بنسلفانيا وهارفرد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT، رفضن الرد بنعم أو لا في جلسة الاستماع على سؤال حول ما إذا كانت الدعوة إلى الإبادة الجماعية لليهود ستنتهك قواعد السلوك في جامعاتهن، وهو بالطبع سؤال غير منطقي لا يمكن طلب الإجابة عليه بنعم أو لا، فضلاً عن كونه سؤالاً عن موضوع لم يحدث؛ أي الدعوة إلى الإبادة الجماعية لليهود، إضافةً -وهذا الأهم- إلى أنَّ استدعاءهن كان سببه الأساسي طوفان انتقاد اللوبي اليهودي لجامعاتهن، والضغط الشديد الذي مورس عليها، وتصعيده بالضغط على الكونغرس الذي تعامل معهن بشكل غير لائق وكأنهن مذنبات، ضارباً عرض الحائط بمكانتهن الأكاديمية وسمعة وتأريخ جامعاتهن المرموقة. رئيسة جامعة بنسلفانيا استقالت، واستقال معها رئيس مجلس أمناء الجامعة، والمتوقع استقالة رئيستي جامعة هارفرد وMIT، لتكون سابقة سلبية جداً في تأريخ الجامعات الأمريكية.


معروف أن الجامعات مثلما هي للتعليم الأكاديمي فإنها أيضاً مجال للتعبير عن الرأي تجاه مختلف القضايا الإنسانية؛ وفق القوانين والأنظمة التي تؤطر حرية التعبير. وطلاب الجامعات، خصوصاً في هذه الجامعات الثلاث، على قدر كبير من النُضج الفكري والاطلاع على ملابسات القضايا السياسية والاجتماعية والفكرية، يختلفون في الانتماءات والاعتقادات والقناعات والأفكار، ومن حق الكل التعبير عن رأيه، لكن اتضح الآن أنه حتى الجامعات العريقة في أمريكا التي أنتجت أجيالاً من المفكرين والفلاسفة والساسة بمختلف الانتماءات، أصبحت محاصرة عندما يتعلق الأمر بمعاداة السامية، هذا المصطلح الذي تحول إلى بعبع مخيف ليس له ملامح واضحة ولا تعريف محدد، أصبح يطارد كل صاحب رأي حر تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتهمة تُلصق به وتكلفه ثمناً متعباً.

الجامعات الثلاث حاولت الحفاظ على أدنى قدرٍ ممكنٍ من حرية التعبير في الحرم الجامعي، لكن تأكد أنه حتى هذا القدر الضئيل من الحرية غير مسموح به عندما تكون إسرائيل طرفاً في أي قضية، حتى لو أبادت شعباً بأكمله. إنها حرية التعبير الانتقائية الكريهة التي يمارسها الغرب عموماً، وأمريكا خصوصاً، عندما لا يتفق التعبير مع ما تريده إسرائيل.