هل يتصوّر أي حصيف تخلّي الصحوة عن مشروعها؟ ورفع الإسلام السياسي يده عن مكاسب نصف قرن من الحضور، بعدما دفع ثمنها دماء ووعثاء وسجونا وهجاء؟ وماذا عن اقتناع بعضنا بتسليم الحركيين واستسلامهم للواقع؛ بسهولة ومرونة؟ وكيف تحوّل المُنظّرون، والمنتمون، الشرسون، بكل هذا الهدوء، إلى متفرجين أو مهادنين؟
من وجهة نظر خاصة؛ أشكُّ في كل ذلك، بحكم سوابق تاريخية، فالإسلاموية تطمح للتمكين، وتستميت في مداراة الحقب، وانتشال بعض أوراقها من الحرق أو الإغراق، وتُجيد عبر إعداد مُنظّم إعادة الكرّة، في كل مرة؛ تخرج الكُرة من ملعبهم، فهم ينشطون بالوجه الحقيقي إذا جُبروا، ويرتدون الأقنعة إذا انكسروا، وكلما تم تفكيك تنظيمهم ربطوه مجدداً، لأن من ثوابت مشروعهم (أحقيّتهم بحكم الأرض، ومن عليها، وربما الفضاء أيضاً) وبعضهم لا يتورّع عن (الميانة) على السماء، بقرب تحقيق الوعد الغيبي (يرثها عبادي الصالحون) ويرون أنهم هم (عباده الصالحون) المؤهلون للإرث.
ومن الظواهر المؤسفة في كل حقبة تحولات في مشروع الدولة؛ بروز شخصيات وأسماء لا تدرك خطورة (الحركيين) ما يعيد على يدهم الصحوة للواجهة، وبعض متبني الصحوية (سُذّج، ونفعيون، وسماسرة) وأحياناً (أبرياء) ليس فيهم خُبث ولا كيد لأوطانهم؛ إلا أنهم لا يعرفون الكثير عن مناورات الإسلام الحركي الذي يرى نفسه أسبق، وأصدق، وأعرق من الدولة الحديثة؛ ومقتنع بحُمق أنه أحق بإدارتها، ولذا يَنْفُذون لجسم الوطن المحصّن، بشعارات الوطنية (إصلاح، ديمقراطية، مدنية، انتخابات، مجتمع مدني) ولا يُفوّتون فرصةً من الفرص إلا استثمروها؛ وفق منسوب ومساحة المُتاح، ولا يتورعون عن نسخ مفهوم الولاء والبراء؛ مؤقتاً، نسخاً اضطرارياً.
ولعل مكمن خطورتهم اليوم في الثورة على الأوطان بالتغلغل في داخلها، والاندماج في الحكومات والمؤسسات، وعقد الشراكات، وإبرام الصفقات، وإظهار الولاءات، وهم خير من يركب الموجات، ويُضعِفون، أو يُضاعفون ارتداداتها بحسب المُخرجات.
لستُ في مقام تحريضٍ ولا تشفٍّ، إلا أن الإدارة الوسطى، في عالمنا العربي سهلة الاختراق من جماعة مُنظّمة، ومدرّبة، وتستمزجها بعض العقليات؛ لأنها تعطي صاحب الهوى (هواه) ولو أن مطامح هؤلاء تقتصر على مكاسب مالية، ومنافع آنية لهان الأمر؛ إلا أن الأخطر يتمثل في تسويق القيادات الصغرى، وتمريرها لفكرة أن (استهدافهم استهداف للإسلام).
ومن الأسئلة المتكررة التي أرى وجاهتها؛ من أين جاءنا هذا الإسلام المُزيّف؟ وهل يطالب الإسلامويون حقاً في ملك سالف، أو حُكم تالف، كان لهم فيه حقٌ؛ تاريخياً أو واقعيا؟ ولماذا كلما استقر مجتمع وسارت حياته بصورة طبيعية نشطوا؟ بالطبع، لا أملكُ إجابة موضوعية شافية عن هذه الأسئلة؛ و لا أعرفُ عنهم إلا أنهم هامش مشبوه، يحاول منافسة المتن، واقتحامه متى أزفت آزفة.
أثقُ أنّ من لم يعش، ويعايش تجربة (الإسلام السياسي) ومن لم ينضوي تحت عباءة (الإخوان والسرورية) ويقترب من عوالمهم فلن يدرك غاية عرضي هذا، ومن يتأمل منهجية الإسلام الحركي يكتشف توقعهم للتحديات، واستشرافهم للمستقبليات، ومن لوازم كل ذلك؛ وضع الخطط والتكتيكات، ومهادنة الحكومات؛ لتفادي إجهاض المشاريع بالصدامات.
لا يتبرم الصحويون من التغييب؛ إلا أنهم يأنفون من الغياب، ولا أستبعد أن منظري الصحوة ورموزها أدرجوا في أجندتهم كل احتمالات ما يأتي وما لا يأتي، ودوّنوا المصاعب، الواقعة والمُتوقعة، وربما أيضاً المُتخيّلة؛ واللامتوقعة؛ لأنهم لطول تجاربهم وخبراتهم التخريبية؛ اكتسبوا مهارات الرسم الاستراتيجي؛ لما وراء وما بعد، ولذا؛ يضعون خطط (باء وجيم ودال) ويميّعون مواقفهم متى ما سخنت الأحداث، ويلتفّون من وراء جُدر؛ وأبواب؛ ويتسلقون السلالم؛ من جانب ووراء، خصوصاً إذا ما سُدت المنافذ في وجوههم.
يستبعد البعضُ اليوم عودة الصحوية، ويهوّن البعض من شأن ما بقي من آثارها، إلا أننا لو قرأنا (أدبيات الحركيين) لتيقّن المُستبعد والمُهوّن أنه مخطئ؛ فكم شاهدنا في بلدان عدة، مناوراتهم، وانقلاباتهم، وتغيّر مبادئهم، والتلاعب بالكلمات، وكلما اتسعت لهم مساحات العبث توغلوا، وكلما ضُيّق عليهم انكمشوا، واستضعفوا، واستبدلوا العلن بالخفاء.
رتّب الإسلام الحركي أوضاعه مبكراً؛ بحكم ما مرّ به من أزمات، وما تلقاه من صفعات؛ وأعدّ صفاً ثانياً، وثالثاً، وربما رابعاً؛ ممن لم يظهروا مسبقاً في الصورة، وهو اليوم يراهن على جيل ثلاثيني وأربعيني، استفاد من منح دراسية، ومناصب أيديولوجية، ويعزز ويُظهر سروره؛ بخطابه الجديد الأقرب للحداثة والعلمانية.
هذا النوع من الصف الثاني، والثالث، مبرمج على تبني توجهات الدولة الوطنية؛ والحبو على الرُكب في سبيل نيل ثقة، وإنجاز أعمال تُبهر مانح الثقة، ولو كانت للصحويين مآخذ على بعض القرارات؛ إلا أن من لوازم (الخطة باء) الترحيب بكل المقترحات، والمبادرة لتنفيذها، وإبداء المناصرة والتأييد والتماهي مع التحولات؛ إلا أنهم لا يُسلّمون أنفسهم بالكُليّة، ولا يبدون إمارات من مشاعرهم الحقيقية؛ باعتبار أن الحركية تمرض ولا تموت، والأفكارُ مهما وُئدت تحت التربة، قابلة للاستنبات، متى ما سُقيت وحُميت.
ولكي لا ينعت البعض المقال بالتجني؛ أدعو لمراقبة المشهد بعين وطنية، وبصيرة نافذة، وسيتجلى بروز محسوبين على الصحوة (مجدداً) وإسهامهم في مشاريع كانوا يرفضونها، وأضحوا يتهافتون عليها، وربما بحكم حسن نيات البعض، أو لسوء إدارته، يتساهل معهم، أو يمنحهم الصلاحيات، وهو لا يُدرك أنهم حيّالون مكّارون، وربما لا يسعف الوقت ولا الحظ ولا الظروف في تفادي أضرارهم.
ولو سألني سائلٌ؛ ما هو السرّ في استمرارهم، وعدم يأسهم؟ فسأجيب؛ بأنني لا أستبعد المؤثر الخارجي؛ كون الإسلام السياسي ورقة رابحة في يد الغرب؛ يراهن به، وعليه في تخريب المجتمعات، وتهديد الحكومات، وتعطيل المجتمعات، والشواهد على احتضان الغرب لجماعات الإسلام السياسي، والدفاع عنها ماثلة للعيان.
وقع الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات رحمه الله (ضحية) عندما قال (دول ولادي) وأحسن الظن في الإسلام السياسي، وأطلق سراحهم من السجون، وأعادهم للوظائف، فدفع حياته ثمناً لهذا القرار العاطفي غير المدروس.
الصحويون والحركيون أعداء أوطاننا؛ ولا ريب أنَّ الذي جاهر منهم بعداوة الوطن سيؤخذ بعدائه، ومن سكت مات بدائه، والمتحايل لن يخدعنا مهما بلغت درجاتُ دهائه.
من وجهة نظر خاصة؛ أشكُّ في كل ذلك، بحكم سوابق تاريخية، فالإسلاموية تطمح للتمكين، وتستميت في مداراة الحقب، وانتشال بعض أوراقها من الحرق أو الإغراق، وتُجيد عبر إعداد مُنظّم إعادة الكرّة، في كل مرة؛ تخرج الكُرة من ملعبهم، فهم ينشطون بالوجه الحقيقي إذا جُبروا، ويرتدون الأقنعة إذا انكسروا، وكلما تم تفكيك تنظيمهم ربطوه مجدداً، لأن من ثوابت مشروعهم (أحقيّتهم بحكم الأرض، ومن عليها، وربما الفضاء أيضاً) وبعضهم لا يتورّع عن (الميانة) على السماء، بقرب تحقيق الوعد الغيبي (يرثها عبادي الصالحون) ويرون أنهم هم (عباده الصالحون) المؤهلون للإرث.
ومن الظواهر المؤسفة في كل حقبة تحولات في مشروع الدولة؛ بروز شخصيات وأسماء لا تدرك خطورة (الحركيين) ما يعيد على يدهم الصحوة للواجهة، وبعض متبني الصحوية (سُذّج، ونفعيون، وسماسرة) وأحياناً (أبرياء) ليس فيهم خُبث ولا كيد لأوطانهم؛ إلا أنهم لا يعرفون الكثير عن مناورات الإسلام الحركي الذي يرى نفسه أسبق، وأصدق، وأعرق من الدولة الحديثة؛ ومقتنع بحُمق أنه أحق بإدارتها، ولذا يَنْفُذون لجسم الوطن المحصّن، بشعارات الوطنية (إصلاح، ديمقراطية، مدنية، انتخابات، مجتمع مدني) ولا يُفوّتون فرصةً من الفرص إلا استثمروها؛ وفق منسوب ومساحة المُتاح، ولا يتورعون عن نسخ مفهوم الولاء والبراء؛ مؤقتاً، نسخاً اضطرارياً.
ولعل مكمن خطورتهم اليوم في الثورة على الأوطان بالتغلغل في داخلها، والاندماج في الحكومات والمؤسسات، وعقد الشراكات، وإبرام الصفقات، وإظهار الولاءات، وهم خير من يركب الموجات، ويُضعِفون، أو يُضاعفون ارتداداتها بحسب المُخرجات.
لستُ في مقام تحريضٍ ولا تشفٍّ، إلا أن الإدارة الوسطى، في عالمنا العربي سهلة الاختراق من جماعة مُنظّمة، ومدرّبة، وتستمزجها بعض العقليات؛ لأنها تعطي صاحب الهوى (هواه) ولو أن مطامح هؤلاء تقتصر على مكاسب مالية، ومنافع آنية لهان الأمر؛ إلا أن الأخطر يتمثل في تسويق القيادات الصغرى، وتمريرها لفكرة أن (استهدافهم استهداف للإسلام).
ومن الأسئلة المتكررة التي أرى وجاهتها؛ من أين جاءنا هذا الإسلام المُزيّف؟ وهل يطالب الإسلامويون حقاً في ملك سالف، أو حُكم تالف، كان لهم فيه حقٌ؛ تاريخياً أو واقعيا؟ ولماذا كلما استقر مجتمع وسارت حياته بصورة طبيعية نشطوا؟ بالطبع، لا أملكُ إجابة موضوعية شافية عن هذه الأسئلة؛ و لا أعرفُ عنهم إلا أنهم هامش مشبوه، يحاول منافسة المتن، واقتحامه متى أزفت آزفة.
أثقُ أنّ من لم يعش، ويعايش تجربة (الإسلام السياسي) ومن لم ينضوي تحت عباءة (الإخوان والسرورية) ويقترب من عوالمهم فلن يدرك غاية عرضي هذا، ومن يتأمل منهجية الإسلام الحركي يكتشف توقعهم للتحديات، واستشرافهم للمستقبليات، ومن لوازم كل ذلك؛ وضع الخطط والتكتيكات، ومهادنة الحكومات؛ لتفادي إجهاض المشاريع بالصدامات.
لا يتبرم الصحويون من التغييب؛ إلا أنهم يأنفون من الغياب، ولا أستبعد أن منظري الصحوة ورموزها أدرجوا في أجندتهم كل احتمالات ما يأتي وما لا يأتي، ودوّنوا المصاعب، الواقعة والمُتوقعة، وربما أيضاً المُتخيّلة؛ واللامتوقعة؛ لأنهم لطول تجاربهم وخبراتهم التخريبية؛ اكتسبوا مهارات الرسم الاستراتيجي؛ لما وراء وما بعد، ولذا؛ يضعون خطط (باء وجيم ودال) ويميّعون مواقفهم متى ما سخنت الأحداث، ويلتفّون من وراء جُدر؛ وأبواب؛ ويتسلقون السلالم؛ من جانب ووراء، خصوصاً إذا ما سُدت المنافذ في وجوههم.
يستبعد البعضُ اليوم عودة الصحوية، ويهوّن البعض من شأن ما بقي من آثارها، إلا أننا لو قرأنا (أدبيات الحركيين) لتيقّن المُستبعد والمُهوّن أنه مخطئ؛ فكم شاهدنا في بلدان عدة، مناوراتهم، وانقلاباتهم، وتغيّر مبادئهم، والتلاعب بالكلمات، وكلما اتسعت لهم مساحات العبث توغلوا، وكلما ضُيّق عليهم انكمشوا، واستضعفوا، واستبدلوا العلن بالخفاء.
رتّب الإسلام الحركي أوضاعه مبكراً؛ بحكم ما مرّ به من أزمات، وما تلقاه من صفعات؛ وأعدّ صفاً ثانياً، وثالثاً، وربما رابعاً؛ ممن لم يظهروا مسبقاً في الصورة، وهو اليوم يراهن على جيل ثلاثيني وأربعيني، استفاد من منح دراسية، ومناصب أيديولوجية، ويعزز ويُظهر سروره؛ بخطابه الجديد الأقرب للحداثة والعلمانية.
هذا النوع من الصف الثاني، والثالث، مبرمج على تبني توجهات الدولة الوطنية؛ والحبو على الرُكب في سبيل نيل ثقة، وإنجاز أعمال تُبهر مانح الثقة، ولو كانت للصحويين مآخذ على بعض القرارات؛ إلا أن من لوازم (الخطة باء) الترحيب بكل المقترحات، والمبادرة لتنفيذها، وإبداء المناصرة والتأييد والتماهي مع التحولات؛ إلا أنهم لا يُسلّمون أنفسهم بالكُليّة، ولا يبدون إمارات من مشاعرهم الحقيقية؛ باعتبار أن الحركية تمرض ولا تموت، والأفكارُ مهما وُئدت تحت التربة، قابلة للاستنبات، متى ما سُقيت وحُميت.
ولكي لا ينعت البعض المقال بالتجني؛ أدعو لمراقبة المشهد بعين وطنية، وبصيرة نافذة، وسيتجلى بروز محسوبين على الصحوة (مجدداً) وإسهامهم في مشاريع كانوا يرفضونها، وأضحوا يتهافتون عليها، وربما بحكم حسن نيات البعض، أو لسوء إدارته، يتساهل معهم، أو يمنحهم الصلاحيات، وهو لا يُدرك أنهم حيّالون مكّارون، وربما لا يسعف الوقت ولا الحظ ولا الظروف في تفادي أضرارهم.
ولو سألني سائلٌ؛ ما هو السرّ في استمرارهم، وعدم يأسهم؟ فسأجيب؛ بأنني لا أستبعد المؤثر الخارجي؛ كون الإسلام السياسي ورقة رابحة في يد الغرب؛ يراهن به، وعليه في تخريب المجتمعات، وتهديد الحكومات، وتعطيل المجتمعات، والشواهد على احتضان الغرب لجماعات الإسلام السياسي، والدفاع عنها ماثلة للعيان.
وقع الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات رحمه الله (ضحية) عندما قال (دول ولادي) وأحسن الظن في الإسلام السياسي، وأطلق سراحهم من السجون، وأعادهم للوظائف، فدفع حياته ثمناً لهذا القرار العاطفي غير المدروس.
الصحويون والحركيون أعداء أوطاننا؛ ولا ريب أنَّ الذي جاهر منهم بعداوة الوطن سيؤخذ بعدائه، ومن سكت مات بدائه، والمتحايل لن يخدعنا مهما بلغت درجاتُ دهائه.