-A +A
حمود أبو طالب
‏قال المخرج الأمريكي الشهير ستيفن سبيلبيرغ في مقابلة مع قناة FOX إنه سيبدأ مشروعاً ضخماً لتوثيق أحداث يوم 7 أكتوبر، مبرراً إقدامه على هذا المشروع بأن «البربرية في اغتصاب النساء والأطفال اليهود لا يمكن لعقل تخيلها. لم أتخيل قط بأني سأرى مثل هذه الوحشية التي لا توصف ضد اليهود في حياتي. بعد نهاية النازية أصبحت معاداة السامية خامدة، لكننا اليوم نرى صعودها وأصبح لها صوت في العلن خاصة في بلدنا (الولايات المتحدة)». ‏وقال سبيلبيرغ بأنه أخذ بالفعل شهادات اليهود في دولة الاحتلال: «لقد أخذنا شهادة 130 شخصاً حتى الآن. يجب أن يكون كل شيء موثقاً، فكما تم توثيق شهادات الناجين من المحرقة النازية، نوثق اليوم شهادات الناجين من مذابح واغتصابات 7 أكتوبر لتكون شاهداً إلى الأبد على معاداة السامية».. ويُذكر أن سبيلبيرغ من أصول يهودية أوكرانية.

هكذا هم يقتنصون الفرص لتزوير التأريخ، أو لتضخيم أحداثه المتعلقة بهم، وتحوير الوقائع والأحداث لتكون لصالحهم كي يبتزّوا بها العالم ويمرروا مشاريعهم المختلفة. هم لا يتحدثون عن الصهيونية كحركة سياسية أنتجت دولة الاحتلال في فلسطين، ويتنصلون من المذابح الشنيعة بحق الفلسطينيين منذ بدء الاحتلال، بل وكل الجرائم المستمرة التي اقترفوها على مدى 8 عقود. لديهم جرأة وقحة على ادعاء المظلومية بينما هم يمارسون أكبر إبادة وتطهير عرقي وتهجير قسري في التأريخ الحديث. إضافة إلى ذلك فهم مسيطرون على الآلة الإعلامية الغربية وصناعة السينما، ومن يسيطر على الإعلام يستطيع قولبة المضامين الإعلامية لصالحه، وقادر على ضخ مفاهيم وقناعات إلى العالم، لذلك سوف يحولون بعض ما حدث في يوم واحد فقط إلى تراجيديا يهودية تموّه على آلاف الأيام من جرائمهم.


في المقابل لا يوجد توظيف حقيقي مؤثر للسينما والدراما العربية لنقل مأساة الشعب الفلسطيني للعالم عبر مشاريع ضخمة مدروسة، ولا يبدو أن ذلك سيحدث حتى بعد أحداث 7 أكتوبر المفصلية. نحن في الشهر الثالث من حرب مليئة بأحداث شاهدة على البربرية الإسرائيلية الحقيقية وليست التي يصورها المخرج سبيلبيرغ، لكن لم نسمع عن مخرج عربي أو غير عربي فكر في رصدها سينمائياً أو درامياً. وحتى لو فرضنا أن عملاً كهذا سوف يواجه مقاومة لإنتاجه وعرضه من قبل اللوبيات اليهودية المسيطرة، فلتكن هذه المسألة مواجهة أخرى معهم، ولدينا شهادات ما زالت حية نابضة تتوالى كل لحظة في فلسطين على ارتكاب الجيش الإسرائيلي ما لا يخطر على بال بشر. الفنون إحدى أهم وسائل تناول التأريخ، لكننا لا نحسن التعامل معها وتوظيفها في هذا الجانب.