-A +A
محمد مفتي
يضطلع دوماً العديد من الزملاء بصحيفة عكاظ بمهمة تفنيد الانتقادات التي يتم توجيهها للمملكة؛ سواء صدرت من منابر رسمية أو عكست انتقادات شخصية، وقد سعى كل منهم -مشكوراً- للرد على المزاعم والافتراءات التي رددتها تلك الأطراف، خاصة أن هناك العديد من المنابر بمواقع التواصل الاجتماعي تحاول الزجَّ باسم المملكة في كل حدث إقليمي -وربما دولي- بهدف تشويه صورة القيادة السعودية وإنجازاتها على المستوى الداخلي والخارجي، وسواء انخرطت المملكة في حدث ما أو لم تنخرط فهى مُنتقدَة في كل الأحوال، ولا يناقش هؤلاء سياق الحدث نفسه، فالاتهامات جاهزة وما عليهم إلا استدعاء الاتهامات مهما كان سياقها من مستودع الذكريات ثم الزج بها في أي موقف سواء ناسبته أم لم تناسبه.

من الواضح أن هذه الانتقادات لا تتعلق بحدث بعينه ولا تختص بمناسبة محددة، فأي أحداث داخلية أو حتى إقليمية هي مجرد ذرائع لإفراغ ما في جعبة هؤلاء من نقمة وحقد مبيت، وتلك الانتقادات تهدف جميعها لزعزعة الأمن وشق صف المواطنين وتشكيكهم في سياسة الدولة وخطواتها الإصلاحية، والملاحظ أن جميع هذه المنابر تتناقل نفس الادعاءات من بعضها البعض، ومن هنا فإن اشتراكها في الغاية والوسيلة والهدف والطبيعة هو ما يؤكد أنها انتقادات لا علاقة لها بالحدث.


بنظرة سريعة على أحداث غزة الأخيرة، وعلى الانتقادات التي تم توجيهها للمملكة بشأنها، نجد أن هؤلاء الحاقدين بحثوا داخل قوالبهم الكريهة، وأخرجوا منها كل ما يصلح لأن يتم نعته بأنه موقف سلبي من المملكة تجاه تلك الأحداث، وحتى عندما عقدت المملكة العديد من القمم العربية والإسلامية؛ بهدف اتخاذ موقف صارم من العدوان، لم يجدوا أمامهم سوى موسم الرياض لتوجيه النقد لإقامته في مثل هذه الظروف، فالأسباب لا تعجزهم فهي جاهزة وصالحة لكل زمان ومكان!

على الرغم من طول الصراع العربي الإسرائيلي، الذي يمتد لما يزيد على العقود السبعة، التي يفترض خلالها أن نكون قد استفدنا -كعرب- من التاريخ وتعلمنا من دروسه القاسية، إلا أن البعض لا يزال مُصرِّاً على تكرار الأخطاء التاريخية بلا تفكير وبلا روية، فهؤلاء لم يمضوا دقيقة واحدة في تدبر ما يسوقونه من أفكار وآراء، بل نجد البعض منهم وقد امتطى فرسه الخيالي من خلف شاشة جواله، وشرع في التصريح والتحليل والنصح بما لم يفهم أو يعي، في عنترية وادعاء ممزوج ببطولة كلامية مع متاجرة بكافة المبادئ والشعارات، فهم فرسان شجعان وأبطال مغوارون خلف شاشات هواتفهم المحمولة فحسب.

من المؤكد أن هؤلاء لا يخرجون عن كونهم إما كتاب مأجورون يتعيّشون على هذا النقد، ويكسبون رزق يومهم من خلاله، يبذل لهم الحاقدون النفيس والغالي لانتقاد المملكة، وتأليب شعبها على قيادته، وكلما زادوا في انتقادهم وأطالوا في هجومهم زادت أعطياتهم، أو أنهم فئة حاقدة تكنُّ للمملكة وشعبها ضغينة وكرهاً عميقاً، وهو أمر له العديد من الأسباب؛ لعل أهمها الاضطراب الأمني والسياسي في دولهم والفوضى التي خلفتها ثورات الدمار العربي، ولذلك فإن الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي الذي ينعم به شعب المملكة العربية السعودية يثير غيظهم وأحقادهم.

من المسلَّم به أنه خلال رحلة الحياة قد يُصاب الإنسان بالكثير من الأمراض العضوية؛ التي قد يعرض بعضها حياته للخطر، غير أن غالبية هذه الأمراض لها علاج قد يُسهم في التخفيف من تداعيات المرض، لكن أخطر الأمراض على الإطلاق هي تلك التشوهات النفسية التي تصيب قلوب بعض الأشخاص، فهي عصية على العلاج وخطرها لا يقتصر على الشخص نفسه ولكن يمتد ضرره إلى كل المحيطين به، وهذا النوع من الشخصيات المريضة تكون مدمرة بطبيعتها، ولا تظهر خطورتها إلا خلال الأزمات، فهم ناقمون على الجميع ويسعون دوماً لاستغلال الظروف التي تُخرج مكنون صدرهم الخبيث.

يعتقد البعض أن سلاح الحرب النفسية والشائعات الكاذبة وسيلة فعالة لتحقيق أهدافهم المشبوهة، وهذه الفئة تستهدف ضعاف النفوس وصغار السن والخارجين عن القانون، ولا شك أن ما ذكرته في السطور السابقة هو مجرد أمثلة لظاهرة لا يمكن إنكارها، وهي أن البعض يكرهوننا كأمة وشعب ينعم بالأمن والاستقرار والرخاء الاقتصادي، وقد تساءلت كثيراً في ما سبق عن سبب كرههم لنا، وهو الكره الذي لا يرتبط بموقف أو حدث معين بذاته، بل يعتبر كرهاً أصيلاً وعميقاً يعكس بغضاً وكرهاً متأصلاً في قلوبهم، وفي اعتقادي الشخصي أن الإجابة تكمن في أنهم يكرهوننا لأنهم يكرهوننا!.