-A +A
محمد الساعد
بعد أسابيع من زيارة الرئيس الأمريكي السابق «دونالد ترامب» إلى المملكة العربية السعودية، شنت وسائل إعلام عربية وأجنبية حرباً شعواء ضد الرياض، لم تكن حرباً مبررة بالمرة، لقد تغيرت السياسة وأصبحت أقرب ما تكون لكيد النساء.

لقد عمل أعداء السعودية منذ الحادي عشر من سبتمبر على فصل العلاقة بين الرياض وواشنطن، وكان للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما دوره في ذلك، وهو من أعلن رحيل بلاده عن المنطقة، وعدم اهتمامها مطلقاً بها، ليفاجأوا بأن وصول ترامب إلى سدة البيت الأبيض قلب عليهم توقعاتهم وأجّل مشروعهم.


نجحت إلى حد ما تلك الحملات في قيادة أوساط من الرأي العام العربي والغربي لمعاداة الرياض، لتنتقل الحملة من انتقاد سياسي إلى موجة اغتيال معنوي بالضغط على الشخصيات المؤثرة من فنانين ولاعبين ورجال أعمال للابتعاد عن السعوديين وعدم الالتزام بعقود أو زيارات لهم.

منذ العام 2015 م، واجهت الرياض في الوقت نفسه جبهات عدة -عسكرية، واقتصادية- لكن أخطرها جاء مع محاولات فصل السعوديين عن قيادتهم، وخلق حالة من عدم الثقة، الغريب -في أعين المراقبين من خارج المملكة- أن الشباب الذين يمثلون 70% من تعداد السكان كانوا أكثر المنخرطين في معارك الإعلام الجديد دفاعاً عن بلادهم، شباب ربما لم يشهد معظمهم حروب العراق وإيران، ولا تحرير الكويت، ولا 11 سبتمبر، ولا حتى معارك القاعدة في الشوارع والمدن السعودية، ومع ذلك كانوا الأكثر اندفاعاً، لدرجة أن الخصوم اعتقدوا أول الأمر أنهم «روبوتات» يتم استخدامها آلياً كما تفعل بعض التنظيمات والدول عند شن حملات، لكن العفوية في «الخطاب»، وبساطة الردود أحياناً، أكدتا أنهم حقيقيون ينطلقون من مشاعر وطنية خالصة.

لعل «الوحدة الوطنية» كانت أهم سلاح استخدمته الرياض لمواجهة أعدائها، فإذا اخترق أحد ما جبهتك الداخلية فإن ترسانة أسلحتك لن تفيدك. الجميع يتذكر شاه إيران، لقد كان صاحب أهم جيش في الشرق الأوسط، حتى وُصف بأنه شرطي الخليج، لكنه فقد جبهته الداخلية، وأصبح الشارع بيد أعدائه، لتحتل دولته من داخلها، وتصبح على ما هي عليه اليوم.

لم تستسلم الرياض، بل قاومت الحملات وتقدمت في كل الجبهات بشجاعة وصدر مفتوح، لكن السؤال الذي ما زال مفتوحاً: لماذا يشن كل هؤلاء الأعداء كل تلك الحروب على السعوديين، وتحت أي مبرر، بالرغم من أنهم لم ينخرطوا في أي مؤامرة أو مشروع هدام ضد أي دولة أو شعب؟ وحملات العداء بعد أحداث غزة هي نسخة مكررة من كل الحملات السابقة مع تغيير العنوان فقط.

لقد فهم السعوديون أنهم أمام اختبار وجود، لأن عدوهم القريب والبعيد فهم أن عملاق الجزيرة العربية استيقظ، وبدأ رحلة أخرى من رحلات النهضة، بالتأكيد هم لم يتوقعوا أن تلك الدولة التي نشأت قبل 300 عام في أواسط صحراء نجد وسقطت مرتين، لا تزال صامدة متفوقة ورقماً صعباً بين العرب والمسلمين وفي المسار الدولي، رغم كل العداوات والأمنيات.

لم تمض أربع سنوات «ترامب» حتى تلقى السعوديون موجة عداء أخرى يقودها البيت الأبيض وحلفاؤه هذه المرة. توقعات الأعداء والخصوم كانت عالية جداً لدرجة أن البعض منهم فكر في سيناريوهات صِدامٍ مباشر.

نعم لقد كان دونالد ترامب متفهماً للعلاقة مع السعوديين ووجد فيها مصالح لبلاده والمنطقة، ومع ذلك كانت الحرب على السعودية مشتعلة، ذهب ترامب وجاء بايدن الذي أعلن بنفسه خصومته للرياض بلا لياقة ولا فهم لسياسة المصالح. أوقف مبيعات الأسلحة، وجمد صيانة القديم منها، وأطلق تصريحات خشنة. ومع ذلك لم تتغير السعودية وبقيت على نفس مبادئها التي لا تتزحزح عنها.

دائماً ما تقول الرياض إن لا فرق عندها بين رئيس أمريكي صديق أو خصم لها، في عهد الرئيس رونالد ريغان، وهو من أقرب الرؤساء الأمريكيين للرياض، طردت الرياض السفير الأمريكي من أراضيها، ووبخت واشنطن بسبب اجتياح بيروت، واشترت من الصين صواريخ باليستية عابرة، وبادرت بالتواصل مع الصين الشيوعية والاتحاد السوفيتي.

السعوديون لا يعترفون إلا بمصالحهم، ولا يضحون من أجل أحد على حساب شعبهم وأمتهم، ولو واجه غير السعوديين تلك الحملات والتهديدات الوجودية التي كان أكثرها وضوحاً ما هدد به جو بايدن رئيس الدولة العظمى لرضخوا وانفتحوا عليه.

سياسة السعودية تشبه نخيل الجزيرة العربية، ثابت لا يتزحزح، تمر به القوافل والرحالة والزائرون والكارهون والمحبون وهو ثابت، من أراد أن يستظل أو يجني من تمره فعليه أن يقف تحته، وكل من حاول تسلقه سقط.