مؤسف أن السائد هو أن الأمور السلبية فقط هي التي تصبح أخباراً بينما الأمور الإيجابية تبقى مغمورة، وهذا يشوش إدراك الناس للواقع ويجعلهم يشعرون أن العالم سيئ والسلبيات فيه أكثر من الإيجابيات، لذا من المهم تداول المقاطع التي تتحدث عن الإيجابيات ليس فقط من باب تقرير الواقع إنما أيضاً من باب نشر القدوة الحسنة، ومن أهم المقاطع التي تم تداولها مؤخراً تلك التي لزوار عرب وأجانب زاروا السعودية وسجلوا انطباعاتهم عن خبراتهم الإيجابية الطيبة في تعامل الموظفين معهم وحتى معاملة المواطنين لهم، بالإضافة لمدح سرعة وسهولة إجراءات الروتين الحكومي وكونها تتم غالباً إلكترونياً، ومثل هذه المقاطع تشجع الآخرين على الاقتداء بتلك القدوات الحسنة، فوق أنها أفضل دعاية مجانية تشجع على السياحة والاستثمار، مع العلم أن مدح الزوار والمقيمين لحسن معاملة الموظفين والمواطنين في أي بلد أمر نادر؛ وبعض أشهر الوجهات السياحية العربية كسدت السياحة فيها بسبب كثافة تسجيل السياح والمقيمين لملاحظات سلبية عن تعامل الموظفين وعموم المواطنين معهم، ولا يوجد قدر من الدعاية الموجهة يمكنه تغيير أثر تلك المقاطع لأن الناس يكوّنون انطباعاتهم بناء على الخبرات الواقعية للآخرين وليس بناء على الدعاية الموجهة، لذا يستحق الموظفون والمواطنون في السعودية الشكر والتقدير والتهنئة على حسن أخلاقهم وذوقهم الرفيع في التعامل مع الناس، والذي يبدو مفاجئاً للبعض بسبب أن انطباعاتهم عن أخلاق المواطنين متأثرة بالسلوكيات السيئة للبعض بمواقع التواصل، وبخاصة محتوى مشاهير مواقع التواصل المفلسين أخلاقياً وفكرياً وكل محتواهم هو السلوكيات الصادمة والهمجية، وأقترح أن يكون هناك نشاط في كل مدرسة بعرض مقاطع السلوكيات الإيجابية المتداولة ومقاطع الإشادة بسلوكيات المواطنين الإيجابية، فهي مؤثرة أكثر من الوعظ والتوجيه المباشر، وغالب السلوكيات السلبية تأتي من الفئات العمرية الصغيرة بسبب غياب القدوات، لذا يجب استهداف الفئات العمرية الصغيرة بشكل خاص بمحتوى يحسّن سلوكهم؛ لأن صغار السن يمثلون غالب جمهور مشاهير المحتوى السيئ، وينتج عن ذلك تقليدهم في السلوكيات السيئة ومحاولة تحصيل الشهرة عبر صنع محتوى مشابه من السلوكيات السيئة، كما يجب من باب التشجيع مكافأة كل من يتم امتداح حسن معاملتهم ونخوتهم، وإن كان لا بد من استضافة من يكون هناك تداول واسع لمقاطعهم، فالأولى استضافة أصحاب السلوكيات الإيجابية بدل السائد حالياً من استضافة مشاهير المحتوى السلبي، فهذا مما يجعل لصغار السن قدوات إيجابية ويشجعهم على تقليديهم بصنع محتوى إيجابي، كما تجب مكافأة الموظفين الذين هناك إشادة بحسن تعاملهم وتفانيهم في خدمة العملاء وهذا سيشكل حافزاً إضافياً للجميع، ويجب أن تتم توعية الجميع بأهمية تداول الأخبار والمقاطع الإيجابية ومكافأة أصحاب السلوكيات الإيجابية والامتناع عن تداول مقاطع المحتوى السيئ ولو من باب إرادة إدانتها والتشنيع عليها، فهذا تماماً ما يساعد في نشرها ويشجع عليها، قال عمر بن الخطاب: «أميتوا الباطل بالسكوت عنه»، وقال: «إن لله عباداً يميتون الباطل بهجره»، وعندما يرى أصحاب المحتوى السيئ أنه لا يتم تداول مقاطعهم مقابل التداول الواسع للمقاطع الإيجابية فهذا سيشجعهم على التحول إلى صنع محتوى إيجابي، مع العلم أن محتوى حسابات مواقع التواصل يشكل حالياً أكبر مصدر لبناء الانطباعات العامة لدى الأجانب عن أي بلد وأهله، ولذا المحتوى السيئ بمواقع التواصل يمكن أن يصد الأجانب عن السياحة، بخاصة النساء، لأنهن يشعرهن بعدم الأمان، بخاصة مع الصور النمطية السلبية عن وضع المرأة، بينما هناك مقاطع إيجابية تم تداولها لسائحة ومواطنات تبرع شباب لتغيير إطارات سياراتهن بكل حسن أدب ورقي.