الحروب الفاصلة في التاريخ، مثل الحروب الكونية، تقوم على المعادلة الصفرية: نصرٌ حاسمٌ لطرف وهزيمة ٌماحقةٌ للطرفِ الآخر. مثل هذه الحروب، لا تحتمل هُدناً.. أو تعليقاً لحالة الحرب.. أو شكلاً من أشكال التفاوض، لوقف القتال أو إنهائه، بل استسلام، بدون قيد أو شرط، للمنهزم، يملي فيه المنتصر شروطه وتصوره لحالة ما بعد الحرب، وما سيكون عليه النظام الدولي الجديد، مؤسساتياً وقيماً، بما يضمن الهيمنة الكونية الشاملة، لزعيم النظام الدولي الجديد.
هكذا انتهت الحربان العالميتان الأولى (1914 – 1919) والثانية (1939 – 1945). تلك كانت القاعدة العنيفة لتعاقب الأنظمة الدولية الحديثة، منذ نهاية القرن الخامس عشر، تعكس خلفية العنف المتأصلة، في الثقافة الغربية، حتى لحسم الصراعات الداخلية. ما كان للبيض أن يسودوا أمريكا الشمالية، ما لم يتمكنوا من إبادة جنس الهنود الحمر، سواء بالحروب الشرسة، أو بالتجويع، حتى الموت. الحرب العالمية الأولى ما كان لها أن تضع أوزارها، إلا بهزيمة ألمانيا هزيمة ماحقة، بإقناع الألمان أن الحرب ستنتهي بهزيمتهم، مما دفعهم للاستسلام بلا قيد أو شرط، دونما حاجة أن تدخل قوات الحلفاء برلين. نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت أكثر دموية، بما لم يحدث في التاريخ. تهاوت عواصم المحور، روما، برلين وطوكيو، تباعاً، بعد استسلام مذل، دون قيد أو شرط.
الحرب على غَزةَ، هذه الأيام، تعكس، وإن على نطاق إقليمي ضيق، ثقافة الغرب في إدارة الحروب الصفرية. الغربُ لن يسمح بهزيمة إسرائيل. قال هذا صراحةً وزير الدفاع الأمريكي. الغربُ قرر استمرارَ الحرب، مهما بلغت تكلفتها المادية والبشرية والسياسية والأخلاقية. لا مجال في هذه الحرب لحقوق الإنسان.. والديمقراطية.. وسمعة الغرب الأخلاقية.. واحتجاجات مجتمعاته المناهضة للحرب المنادية بوقفها، ما لم تنته الحرب بهزيمة ساحقة للطرف الآخر، تعيد لإسرائيل مكانتها الإقليمية المهابة، وتعزز مبررات وجودها.
لكن الحرب على غَزةَ ليست ككل الحروب (النظامية)، التي خاضتها إسرائيل، وحتى تلك التي خاضها الغرب، في إطار صراعه من أجل الهيمنة الكونية، ورعاية استثماراته الاستعمارية. الحرب في غزة ليست متناظرة بين جيوش نظامية، تحكمها حكومات تتصف بعقلانية منطق الدولة، مدفوعةً بغريزة البقاء لأنظمة سياسية قائمة. إنها حربٌ عقائدية بامتياز يعرف الطرف الأضعف فيها، أن خسارته، ستفوق أية خسارة لحقت، أو يمكن أن تلحق به. هذا الطرف، الذي يبدو الأضعف، لديه دافع للقتال والتضحية، حتى آخر رجل، وحتى آخر شبر من الأرض، معززاً بقاعدة شعبية عريضة صلبة ومتماسكة، مستعدة لدفع أفدح الأثمان.
المقاومة في غَزّةَ، حتى بعد مائة يوم من العقاب الجماعي، الذي يتعرض له الغزاويون، الذي يصل لممارسات ترقى لمستوى الاستئصال العرقي الماحق لآخر فلسطيني، قدرت أن جولة النزال هذه المرة ضد إسرائيل، لا تحتمل أي خَيَار غير المضي، حتى بتحقيق ما يبدو أنه نصرٌ مستحيل، على عدوٍ لا ينقصه نفس الحماس لإنهاء القتال بنصرٍ مؤزرٍ، مهما بلغت كلفته، فالبديل: سيكون إنهاء وجوده، نفسه.
هل نشهد حرباً إقليمية صفرية، تدور رحاها في غَزةَ. إلى حدٍ كبير، نعم. ليس أمامَ الطرفين إلا مواصلةَ القتال، دون النظر للخلف. أشياء كثيرة على المحك، بالنسبة للطرفين. إما إثبات وجود مكلف، يعيد لإسرائيل مكانتها الإقليمية المهابة، خدمةً لحلفائها الغربيين، الذين ليس أمامهم سوى الالتزام للنهاية، بعدم تصور هزيمة إسرائيل، دعك من تعرض واقع وجودها للزوال، أو يبدي الطرف الآخر، الذي يبدو الأضعف، شجاعة غير مسبوقة، بروحٍ قتالية فذة، لتحمّل تبعات نزيف الدم المسفوح والدمار الشامل، بما لم يعرف عن بشرٍ في التاريخ، مدفوعاً بإيمان لا يتزعزع بأن العناية الإلهية ترعى مواكبة خطاه المتسقة مع حركة التاريخ، حتى النصر.
الحربُ في غزة لن تضع أوزارها، إلا بتحديد مصير طرفيها من قرارهما خوضها. إنها معركة صفرية، لم تشهد لها المنطقة مثيلاً.. ولم يشهد لها تاريخ الحروب الحديثة، نظيراً. حربٌ تتجاوز الأمنيات.. وتتحدى توقع المعجزات. حربٌ تتجاوز تداعياتها أطرافها، لتطال المنطقة والعالم. حربٌ قد تسفر عن مخاضٍ لنظامٍ دوليٍ جديد.. وتغيرات جيوسياسية جذرية. حربٌ، لا نبالغ، إن زعمنا: أن نتيجتها لن تحدد فقط مصير طرفيها، بل مصير مصالح وأمن أطراف بعيدة ومن يتواجد حول تخوم ساحة وغاها، ومصير السلام في أرض الرسالات، وفي العالم بأسره.
هكذا انتهت الحربان العالميتان الأولى (1914 – 1919) والثانية (1939 – 1945). تلك كانت القاعدة العنيفة لتعاقب الأنظمة الدولية الحديثة، منذ نهاية القرن الخامس عشر، تعكس خلفية العنف المتأصلة، في الثقافة الغربية، حتى لحسم الصراعات الداخلية. ما كان للبيض أن يسودوا أمريكا الشمالية، ما لم يتمكنوا من إبادة جنس الهنود الحمر، سواء بالحروب الشرسة، أو بالتجويع، حتى الموت. الحرب العالمية الأولى ما كان لها أن تضع أوزارها، إلا بهزيمة ألمانيا هزيمة ماحقة، بإقناع الألمان أن الحرب ستنتهي بهزيمتهم، مما دفعهم للاستسلام بلا قيد أو شرط، دونما حاجة أن تدخل قوات الحلفاء برلين. نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت أكثر دموية، بما لم يحدث في التاريخ. تهاوت عواصم المحور، روما، برلين وطوكيو، تباعاً، بعد استسلام مذل، دون قيد أو شرط.
الحرب على غَزةَ، هذه الأيام، تعكس، وإن على نطاق إقليمي ضيق، ثقافة الغرب في إدارة الحروب الصفرية. الغربُ لن يسمح بهزيمة إسرائيل. قال هذا صراحةً وزير الدفاع الأمريكي. الغربُ قرر استمرارَ الحرب، مهما بلغت تكلفتها المادية والبشرية والسياسية والأخلاقية. لا مجال في هذه الحرب لحقوق الإنسان.. والديمقراطية.. وسمعة الغرب الأخلاقية.. واحتجاجات مجتمعاته المناهضة للحرب المنادية بوقفها، ما لم تنته الحرب بهزيمة ساحقة للطرف الآخر، تعيد لإسرائيل مكانتها الإقليمية المهابة، وتعزز مبررات وجودها.
لكن الحرب على غَزةَ ليست ككل الحروب (النظامية)، التي خاضتها إسرائيل، وحتى تلك التي خاضها الغرب، في إطار صراعه من أجل الهيمنة الكونية، ورعاية استثماراته الاستعمارية. الحرب في غزة ليست متناظرة بين جيوش نظامية، تحكمها حكومات تتصف بعقلانية منطق الدولة، مدفوعةً بغريزة البقاء لأنظمة سياسية قائمة. إنها حربٌ عقائدية بامتياز يعرف الطرف الأضعف فيها، أن خسارته، ستفوق أية خسارة لحقت، أو يمكن أن تلحق به. هذا الطرف، الذي يبدو الأضعف، لديه دافع للقتال والتضحية، حتى آخر رجل، وحتى آخر شبر من الأرض، معززاً بقاعدة شعبية عريضة صلبة ومتماسكة، مستعدة لدفع أفدح الأثمان.
المقاومة في غَزّةَ، حتى بعد مائة يوم من العقاب الجماعي، الذي يتعرض له الغزاويون، الذي يصل لممارسات ترقى لمستوى الاستئصال العرقي الماحق لآخر فلسطيني، قدرت أن جولة النزال هذه المرة ضد إسرائيل، لا تحتمل أي خَيَار غير المضي، حتى بتحقيق ما يبدو أنه نصرٌ مستحيل، على عدوٍ لا ينقصه نفس الحماس لإنهاء القتال بنصرٍ مؤزرٍ، مهما بلغت كلفته، فالبديل: سيكون إنهاء وجوده، نفسه.
هل نشهد حرباً إقليمية صفرية، تدور رحاها في غَزةَ. إلى حدٍ كبير، نعم. ليس أمامَ الطرفين إلا مواصلةَ القتال، دون النظر للخلف. أشياء كثيرة على المحك، بالنسبة للطرفين. إما إثبات وجود مكلف، يعيد لإسرائيل مكانتها الإقليمية المهابة، خدمةً لحلفائها الغربيين، الذين ليس أمامهم سوى الالتزام للنهاية، بعدم تصور هزيمة إسرائيل، دعك من تعرض واقع وجودها للزوال، أو يبدي الطرف الآخر، الذي يبدو الأضعف، شجاعة غير مسبوقة، بروحٍ قتالية فذة، لتحمّل تبعات نزيف الدم المسفوح والدمار الشامل، بما لم يعرف عن بشرٍ في التاريخ، مدفوعاً بإيمان لا يتزعزع بأن العناية الإلهية ترعى مواكبة خطاه المتسقة مع حركة التاريخ، حتى النصر.
الحربُ في غزة لن تضع أوزارها، إلا بتحديد مصير طرفيها من قرارهما خوضها. إنها معركة صفرية، لم تشهد لها المنطقة مثيلاً.. ولم يشهد لها تاريخ الحروب الحديثة، نظيراً. حربٌ تتجاوز الأمنيات.. وتتحدى توقع المعجزات. حربٌ تتجاوز تداعياتها أطرافها، لتطال المنطقة والعالم. حربٌ قد تسفر عن مخاضٍ لنظامٍ دوليٍ جديد.. وتغيرات جيوسياسية جذرية. حربٌ، لا نبالغ، إن زعمنا: أن نتيجتها لن تحدد فقط مصير طرفيها، بل مصير مصالح وأمن أطراف بعيدة ومن يتواجد حول تخوم ساحة وغاها، ومصير السلام في أرض الرسالات، وفي العالم بأسره.