في بلد صغير نسبياً مثل سورية تعرض خلال شهر واحد إلى قصف من دول عديدة إيران والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وتركيا وروسيا، وهذا يعطيك الانطباع إلى أي حد وصلت حالة الفوضى التي تجتاح المنطقة، بل إلى أي مدى وصل التوتر الذي ينذر بخطر كبير ربما يمتد شراره إلى مناطق أخرى. في خلال الساعات الماضية تعرضت قاعدة أمريكية على الحدود السورية - الأردنية إلى قصف أدى إلى سقوط ثلاثة جنود وجرح أكثر من 30 جندياً أمريكياً، من المفاجئ أن تعرض القواعد الأمريكية للقصف ليس هو الخبر فقد تكرر لعشرات المرات خلال الأسابيع القليلة الماضية، ولكن الخبر هو سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا إذا ما أضفنا إلى ذلك الهجمات التي استهدفت مليشيات الحوثي في اليمن، وكذلك القواعد العسكرية الأمريكية في سورية والعراق، فهذا بمجمله يعني أننا أمام مناوشات لحرب إقليمية، ليس بالضرورة تتم وفقاً لرغبة هذا الطرف أو ذاك، ولكن سلسلة الأحداث التي تجري تقود إليها في نهاية المطاف. صحيح أننا نستطيع رد هذه الأحداث إلى الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولكن الصحيح أيضا أنه إذا تفجرت الأوضاع فإن تلك الحرب تصبح تفصيلاً في إطار صراع أكبر وأشمل وأكثر تدميراً. رئيس الوزراء البريطاني الراحل ونستون تشرشل كان يقول في توصيفه للسياسة الأمريكية إن واشنطن تقوم بالخيار السليم عندما تستنفد كل الخيارات السيئة وحتى الآن لم تتخذ واشنطن الخيار السليم بعد أن تجاهلت على امتداد سنوات مضت تعاظم الخطر من المليشيات التي تستهدفها الآن وأصمت الآذان عن كل التحذيرات التي وصلتها من دول المنطقة حول وجود مليشيات سوف تصبح في لحظة من اللحظات خارج السيطرة وهذا ما بتنا نراه واقعاً لا تعانيه دول المنطقة وحسب وإنما تعانيه كل دول العالم بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية، أما واشنطن فقد ذهبت إلى الخيار الأسهل وهو استخدام القبضة العسكرية لمحاولة تطويع هذا الخطر وتجنّبه عبر القصف الذي شهدناه على امتداد الأسابيع الماضية على استحياء لهذه المليشيات أو تلك دون أن يؤدي ذلك إلى معالجة الخطر الذي تتعرض له. منطقة الشرق الأوسط بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى رؤية ومقاربة أمريكية مختلفة طالما أن واشنطن هي جزء من المعادلات الأمنية والعسكرية في هذه المنطقة الحساسة. نقطة البداية في هذه المقاربة هو وضع حد للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة فهذا سوف يخفف كثيراً من أوار الصراع المشتعل حالياً في أكثر من مكان، ويلي ذلك عمل سياسي جاد لإيجاد حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية يؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية العتيدة، ثم الدخول في محادثات جادة بين دول المنطقة بشكل مباشر أو غير مباشر للوصول إلى ترتيبات أمنية وعلاقات سلام وإعادة الروح للدول التي عصفت بها الأزمات خلال العقد الماضي، هذا وحده هو الكفيل بنزع فتيل الصراعات والأزمات. النهج الحالي الذي تتبعه كثير من دول المنطقة وكذلك الولايات المتحدة لن يؤدي سوى إلى تعميق حالة الصراع وتضع حالة الأمن والاستقرار على كف عفريت.