-A +A
أحمد الجميعة
في مدينة مثل الرياض المكتظة سكانياً، والمزدحمة مرورياً، يبقى السؤال: هل تسكن بالقرب من عملك أو بالقرب من أسرتك؟، وأياً يكن الجواب يبقى البحث عن حلول لهذا الاكتظاظ والازدحام أولى من الإجابة عليه، من خلال دراسة الوضع الراهن لحجم الكفاءة التشغيلية لطرقات العاصمة، والمناطق الأكثر اختناقاً، ومدى مناسبة البحث عن بدائل للإشارات المرورية، والأهم حجم السيارات الذي تنامى في المدينة بشكل مضاعف مع خدمات التوصيل، والعمالة المصرح لها بالتنقل بسياراتها الخاصة، وكذلك تزايد حجم الفعاليات، وصعوبة الحصول على مواقف السيارات التي أثّرت على انسيابية الحركة، إضافة إلى الخروج الجماعي في توقيت واحد في الذهاب إلى مقرات العمل، والجامعات والمدارس، وأهمية اختيار تلك المواقع قبل اعتمادها كوجهات للعمل أو الدراسة، وثقافة التعامل مع الحوادث المرورية التي تشل الحركة بعدم تصوير الحادث، والوقوف جانباً إلى حين وصول ممثل شركة التأمين.

الواقع أن مدينة الرياض أكبر من خطة مرورية لا يُكتب لها النجاح غالباً، ولا يلام المرور أمام تحدٍ لا يحتمله، وربما لا يمكنه لوحده التعامل معه دون تدخل جهات أخرى، والمقصود هنا تحديداً في أوقات الذروة التي تبدأ من الساعة السادسة وحتى التاسعة صباحاً، ومن الثالثة وحتى السادسة مساءً، حيث تمثّل تلك الأوقات اختباراً حقيقياً لتلك الخطط، واختناقاً يؤثر على نفسيات السائقين، وعائقاً أمام التواصل الاجتماعي، وجودة الحياة، واستنزافاً للوقت الذي نهدره كل يوم في مشاوير الذهاب والعودة.


أزمة الرياض الخانقة مرورياً بحاجة إلى قرارات استثنائية بدءاً من تغيير مواعيد العمل، وتوقيت الدراسة الجامعية، وسرعة تشغيل القطار، وانتهاءً بالحلول الهندسية لكثير من الطرق التي تحتاج إلى إعادة تصميم بدلاً من الاعتماد على الإشارات الضوئية، وهذه القرارات ليست سهلة، ولكنها ذات أولوية، وملحة أيضاً، ولا تحتمل التأخير إذا أردنا أن تكون العاصمة من بين أكثر 10 عواصم عالمية جذباً للسكان والسيّاح.

مهمتنا اليوم أن لا نحرم أنفسنا من جمال العاصمة، وروحها، وفعالياتها، وحياة الناس فيها؛ لمجرد الازدحام الذي أثّر على قراراتنا في التواصل، والترفيه، وبالتالي قد يؤثر على المدى البعيد على الجانب الاقتصادي لمجرد أن نبقى متعذرين بهذا الازدحام، وهو ما يتطلب أن نبادر للابتكار في الحلول، ولا أعتقد أن سكان الرياض مختلفين أن مدينتهم الجميلة بحاجة إلى تلك الحلول التي تأخرت كثيراً.

أعود إلى السؤال الذي طرحته، وأقول إن السكن القريب من العمل أولى من السكن القريب من أفراد الأسرة، سواءً الوالدين أو الإخوان والأخوات، والسبب لا يحتاج إلى توضيح أكثر مما تناولناه هنا، ولكن نضيف عليه سببا آخر وهو أن زيارة الأسرة متاح في أي وقت خارج أوقات الذروة، وليس بالضرورة يكون يومياً، بينما العمل لا يحتمل التأخير، وهو التزام يومي في أوقات العمل الرسمية، ويبقى القرار في النهاية أمراً شخصياً يتوقف غالباً على من يحتمل أو لا يحتمل ذلك الازدحام، ومن يستطيع تأمين سكن مناسب في تكاليفه بالقرب من عمله.