-A +A
حمود أبو طالب
لم يبلغ الوضع في المنطقة هذا المستوى من الخطورة، ولم يتحول إلى بركان قد ينفجر في أي لحظة كما هو الآن. إسرائيل لم تكتفِ بما فعلته منذ الحرب على غزة من تدمير وتهجير ممنهج يصاحبه دعم أمريكي كامل، عسكرياً ومالياً وسياسياً، وصمت مطبق من المجتمع الدولي، ولكنها تصر على اجتياح الملجأ الأخير للمهجّرين في مدينة رفح وإرغامهم على النزوح إلى سيناء، نقطة التماس بين مصر وإسرائيل.

إسرائيل بدأت فعلاً غاراتها على رفح، ومصر تصدر البيان تلو الآخر أنها لن تسمح بتجاوز الخط الأحمر، أي إجبار نحو 1.5 مليون فلسطيني على النزوح إلى سيناء، وأعلنت عن تعليق اتفاقية السلام مع إسرائيل إذا حدث ذلك، كما أنها أكدت جاهزية جيشها لأي احتمالات، ودفعت بفرق جديدة إلى الخطوط الأمامية.


المملكة أصدرت بيانين شديدي اللهجة تحذر من الكارثة الإنسانية التي قد تحدث بسبب التهور الإسرائيلي، وطالبت بانعقاد مجلس الأمن لتطويق الانفجار المتوقع، وحثت المجتمع الدولي للاضطلاع بدوره بشكل أكثر تأثيراً.

للأسف لم يحدث شيء إلى الآن يشير إلى تهدئة الأوضاع. الجولات المكوكية لوزير الخارجية الأمريكي لم تحرز تقدماً مهماً. مدير السي آي إيه زار مصر ولم يتحقق اختراق مهم لتهدئة الوضع. الأوروبيون شبه صامتين. اجتماعات الوسطاء مع حركة حماس لم تسفر عن نتيجة من شأنها المساهمة في نزع الفتيل، رغم أنها تستطيع تقديم شيء يحرج إسرائيل أمام المجتمع الدولي ويجعلها تتراجع عن اجتياح مدينة رفح. وإزاء هذا الوضع المعقد الذي يزداد سوءاً بإصرار نتنياهو وتأكيده على إكمال عملية رفح، فإننا إزاء وضع غير مسبوق منذ حرب أكتوبر 73، قد يؤدي إلى حرب في أسوأ ظروف تشهدها المنطقة والعالم.

لقد دفعت حركة حماس بالقضية الفلسطينية إلى بؤرة الاهتمام العالمي، هذا صحيح، ولكن الشعب الفلسطيني في غزة دفع ثمناً باهظاً وما زال يدفع، لأنه لم تكن لدى حماس خطة سياسية واضحة لما بعد هجوم 7 أكتوبر، فقط أشعلت الوضع وتركت الساحة لإسرائيل للعربدة كما تشاء، وعليها الآن تقديم مبادرة معقولة ومقبولة للمساهمة في إنقاذ الوضع، جنباً إلى جنب مع ضرورة تدخل مجلس الأمن بشكل عاجل، وأمريكا على وجه الخصوص، لنزع فتيل حرب محتملة ستكون أسوأ ما يمكن أن تنتظره هذه المنطقة في ظروفها الراهنة.