في الصراعات الكبرى كما في الحروب الفاصلة، قد تتحول منطقة أو معركة إلى نقطة محورية ما بعدها ليس كما قبلها كما في الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال، حيث كانت ستالينجراد معركة مفصلية، وكانت بداية النهاية للهجوم الألماني ليس فقط على الاتحاد السوفيتي ولكن على مختلف الجبهات، وهذه المعركة هي التي أدّت في النهاية إلى هزيمة ألمانيا وسقوط الرايخ الثالث وارتسام ملامح النظام العالمي الجديد، وبالرغم من تعقيدات الصراع العربي الإسرائيلي وضراوة الجولة الأخيرة المتمثلة في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تبدو مدينة رفح والتهديدات الإسرائيلية المتوالية باجتياحها ستكون نقطة فاصلة في هذا الصراع وسوف تفتح جولة جديدة بمعايير مختلفة إذا ما أصرت حكومة اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو على المضي قدماً باجتياح بقعة صغيرة احتشد فيها ما يزيد على المليونين مواطن فلسطيني. يخشى الجميع عرباً وعجماً من حجم الخسائر البشرية التي يمكن أن تنجم عن العمليات العسكرية الإسرائيلية بغض النظر عن الاحتياطات المزعومة التي يمكن أن تتخذها القيادة العسكرية، وهذا لن يفسح المجال حتى لأكثر المتعاطفين مع إسرائيل أو حلفائها أن يتسامح مع هذه الأعداد الكبيرة من الضحايا، بل إن هيئات دولية بدأت تدق ناقوس الخطر حتى وصف مدعي عام الجنائية الدولية بأن سيناريو الهجوم الإسرائيلي على رفح هو سيناريو مرعب. الأزمة الثانية التي يتوقعها الجميع وهي مسألة التهجير القسري، فوعود نتنياهو لا يأخذها أحد على محمل الجد عندما قال إنه سوف يفتح ممراً للمدنيين، حتى أن جوزيب بوريل مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي تساءل إلى أين يريد نتنياهو أن يتحرك المدنيون، هل إلى القمر؟ّ! والأخطر ربما أزمة العلاقات الإسرائيلية المصرية، فالبعض من الخبراء يتوقعون بأن هدف حكومة نتنياهو دفع المدنيين إلى اجتياز الحدود المصرية والوصول إلى شبه جزيرة سيناء كما يدعو اليمين المتطرف الإسرائيلي، وهذا سوف تكون له نتائجه الكارثية خصوصاً أن الجانب المصري هدد بتعليق اتفاقية السلام بين القاهرة وتل أبيب، وهذا أمر ترى الدول الغربية أنه تهديد للأمن والسلم الدوليين. صحيح أن إسرائيل استطاعت تحرير رهينتين وفق عملية معقدة كما ذكر الجانب الإسرائيلي ولكن اجتياح رفح لن يكون بالضرورة عملية ناجحة تؤدي إلى تحرير المزيد من الرهائن، بل لعل السيناريو المرجح من الناحية العسكرية هو أن إسرائيل سوف تسيطر على المدينة دون أن تستطيع المحافظة على هذه السيطرة كما حدث في شمال القطاع على سبيل المثال، وبالتالي سقوط هؤلاء الأعداد من المدنيين كما هو متوقع لن يؤدي إلى نصر إسرائيلي وندخل في حرب استنزاف دموية أكثر مما هي الآن، بل إن برميل البارود الذي تحدث عنه سياسيون وصحفيون المتمثل في بؤر عدة في الشرق الأوسط مرشح للانفجار بشكل يصعب التحكم به. الكثير بات يدرك بأن ما يحرك الحكومة الإسرائيلية ليس المصالح الإستراتيجية أو حتى الأهداف العسكرية ولكن البعد الأيديولوجي لهذه الحكومة وكذا الأهداف الضيقة لشخوصها وعلى رأسهم رئيس الحكومة نتنياهو، ولعل إسرائيل بحاجة أكثر من أي وقت مضى لمن يسدي لها النصيحة بأن من يشعل النيران سوف يكتوي بها.