-A +A
نجيب يماني
لئن كان برنامج تطوير الصناعات الوطنية والخدمات اللوجستية منذ إطلاقه في العام 2019، قد وضع المملكة أمام تحديات جديدة، وتحوّلات كبيرة في المفاهيم الاقتصادية محلّيًا وإقليميًّا وعالميًّا، فقد استطاع هذا البرنامج في زمن وجيز أن يُحدث فارقًا كبيرًا، جعل من المملكة قوة صناعية رائدة، ومركزًا لوجستيًّا عالميًّا، وأصبح المنتج السعودي منافسًا بميزاته القياسية المطلوبة، وسعره التفضيلي المرغوب.

ولمّا كان هذا البرنامج يرمي إلى آفاق بعيدة، ويتخذ من «الرؤية» وقودًا للانطلاق، بما يمتلكه من خطة طموحة تعتمد على مكامن القوة التي تتمتع بها المملكة، فها نحن اليوم، بإعلان ولي العهد الأمين - محمد الخير حفظه الله، عن تأسيس شركة «آلات»، ننتقل إلى رهان جديد، وتحديات كبيرة، كون هذه الشركة معقود عليها الأمل في نقل المملكة إلى تصنيع منتجات ضمن سبع وحدات أعمال استراتيجية هي: الصناعات المتقدمة، وأشباه الموصلات، والأجهزة المنزلية الذكية، والصحة الذكية، والأجهزة الإلكترونية الذكية، والمباني الذكية، والجيل الجديد من البنية التحتية، بحيث تصبح مركزًا أساسيًّا لهذه المنتجات على المستوى الإقليمي والعالمي، وهو أمر ليس بالحلم المحلق بلا أجنحة، وليس بالأمنيات المرسلة من خاطر التمني العاجز، ولكنها «استراتيجية» محكومة بالواقع، ومستندة إلى الإمكانيات، ومنطلقة من القدرة والعزم، وهذا شأن «الرؤية» في كل ما أعلنت عنه، وعزمت على إنفاذه، ليصير واقعًا كما خُطط له، ومنجزًا ملموسًا كما حُدد له.


فعلينا أن نرفع من سقف التوقع، وندرك أن «آلات» ستكون حاضرة بمنتجاتها الباهرة والمنافسة في القريب العاجل، وستكون لها الميزة الأفضل بالنظر إلى الموقع الاستراتيجي الفريد الذي تتميز به المملكة، وربطها بين ثلاث قارات، وهو الأمر الذي جعل منها على مدى التاريخ مركزًا تجاريًّا عالميًّا مهمًا، مستصحبين كذلك ما تتمتع به أرض المملكة من الموارد الطبيعية التي لم تستغل بعد، وقد انفتحت أمامها في عهد «الرؤية» فرص الاستثمار في مجالات التعدين والتصنيع، بجانب ما تزخر به المملكة من قدرات بشرية وكوادر قادرة على إدراك الطموحات وتحطيم الصور النمطية، وإعادة ترتيب العالم بعيدًا عن المحفوظات القديمة البالية.

ولا ننسى كذلك أن ميزة «آلات» تتجلى في تخطيطها لإيجاد حلول تصنيع مستدامة للشركات العالمية عبر موارد الطاقة النظيفة للوصول إلى الحياد الصفري بحلول عام 2060، بما يتواكب مع التوجّه العالمي بشكل عملي وليس نظريا، الأمر الذي يثبت أن الصناعة السعودية تجاوزت مخاطر الثورة الصناعية قديمًا، والتي انتهت بكوكبنا إلى ما نشاهده اليوم من اختلال بيئي ومناخي ينذر بخطر وشيك، إن لم تتضافر الجهود لتلافيه ودرء خطره..

فاعتماد «آلات» على الطاقة النظيفة، ميزة تتفوق بها على غيرها من المنظومات الصناعية، والمرجح أن يكون الإقبال على منتجاتها كبيرًا بفضل هذه الخصيصة المتقدمة.

إن الرهان المنعقد على «آلات»، يتطلّب بالضرورة تناميًا في الوعي المحلّي تجاه المنتج السعودي، وقبل ذلك وعيًا مغايرًا في مفهوم الاستثمار لدى القطاع الخاص، بخاصة وأن هذه الشركة تستهدف -فيما تستهدف- تمكين القطاع الخاص من الإسهام في تعزيز التحول في القطاع الصناعي عالميًا عبر تجسير المسافة وعقد الشراكات الاستراتيجية مع الشركات الرائدة في مجال الصناعات المتقدمة والإلكترونيات، والمحصلة المرجوّة من ذلك توطين لهذا النوع من الصناعة فائقة الدقة، بمنتجات تلبي الطلب التجاري محليًا وعالميًا، دفعًا لعجلة الابتكار والتصنيع في المملكة.

كذلك يتطلّب هذا الرهان الجديد وعيًا في منظومة التعليم، وتضمين مناهج ذات صلة مباشرة بالتكنولوجيا المتقدمة، وفتح نوافذ التنافس الطلابي والبحثي في الجامعات الحكومية والخاصة، ومعاهد التقنية، للابتكار في قطاع الصناعة والإلكترونيات، والتطوير في هذا المجال، مع تنمية الكفاءات المحلية والارتقاء بالكوادر بجودة الوظائف المحلية.

ويتسع الرهان ليشمل المواطن عبر تشجيعه للمنتج المحلي، ودعمه، والترويج له، بحيث يصبح خيارًا أوليًا في مفاضلة الاختيار في سوق التنافس المفتوح، وهو ما سيسهم بشكل كبير في دعم شعار «صنع في السعودية»، ويضع المملكة حيث ينبغي أن تكون، آخذين في الاعتبار المتغيرات الاقتصادية الكبيرة التي طرأت على العالم اليوم، والذي يوشك أن يعيد ترتيب وتصنيف الدول بصورة منطقية، حسب قدراتها وإمكانياتها الاقتصادية والتقنية، وليس تصنيفًا منعقدًا على نظرات استعلائية، ومنطلقات سياسية بحتة.

نبارك للوطن إطلالة «آلات» في عالمنا، وواثقون كل الثقة في أن قيادتنا -حفظها الله- قادرة على نقل الوطن إلى رحاب آفاق بعيدة، ووضع الوطن حيث يجب أن يكون في القمة دائمًا.