الحرب قد تطول لسنوات، بل أحياناً لعقود. حروب البسوس وداحس والغبراء، امتدت لأربعين عاماً. الحربان العالميتان (الأولى والثانية) امتدتا لسنوات. كثيرٌ من الحروب الفاصلة في التاريخ استغرقت ساعاتٍ من نهار، مثل: غزوة بدر الكبرى والقادسية واليرموك وعين جالوت وحطين. تبقى حروب حديثة امتدت لسنوات وعقود، مثل: حرب تحرير الجزائر وحرب فيتنام والحرب الأهلية الأمريكية وحرب الثلاثين عاماً الدينية في أوروبا.
حروب الشرق الأوسط الحديثة، أطولها حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق استمرت لثماني سنوات، بينما حرب 1967 حُسمت في ستة أيام. حربُ غزة الحالية تكاد تدخل شهرها الخامس. حربُ غزة فشلت إسرائيل في حسمها. وإن شهدت صموداً ملحمياً غير مسبوقٍ، أكسب القضية الفلسطينية حضوراً دولياً، رسمياً وشعبياً، إلا أن تكلفتها كانت فادحة على الفلسطينيين.. وثقيلة على النظام الدولي، أطرافاً ومؤسسات وقيماً، ليُترك للوقت الحسم فيها.
لذا: طول أمد الحرب، ليس بالضرورة في صالح أحد أطرافها، حتى لو «كسبها»، في نهاية المطاف. الحربُ على غزة أضرت كثيراً بالمكانة الإقليمية الرادعة لإسرائيل، لم يعد جيشها ذلك الجيش الذي لا يقهر. كما اهتزت ثقةُ الدول العظمى في إسرائيل بأداء دورها الوظيفي، خدمةً لمصالحهم في المنطقة بالإضافة إلى الضرر الجسيم بالمسألة الصهيونية. ضعفت كثيراً قضية العداء للسامية في مجتمعات الغرب، حيث ارتدت لصدرِ الصهاينة. بسبب الفضائح التي ترتكبها إسرائيل في غزة، التي تصل لحضيض الدرك الأسفل من الإبادة الجماعية، بدأت في مجتمعات الغرب تساؤلات حول منطقية الاستسلام لأسطورة العداء للسامية.
الحرب على غزة أتت على أكثر من 70% من البنية التحتية والفوقية للقطاع.. وذبحت بدمٍ باردٍ ما يقرب من ثلاثين ألف قتيل، مع أكثر من سبعين ألف مصاب.. وتُرِك ما يقرب من مليوني فلسطيني في العراء لا مأوى يظلهم، بلا طعام ولا ماء ولا كهرباء ولا وقود ولا دواء! وضع إنساني، ليست إسرائيل وحدها من تحمّل وزرَ ارتكابِ جُرْمِه، بل العالم بأسره يشارك في هذه الجريمة النكراء في حقِ الإنسانية، التي تهدد باستئصال جنس الشعب الفلسطيني من الخريطة الجينية للبشرية.
فصائل المقاومة، بالمقابل، وإن نجحت في ميدان القتال، إلا أنها فشلت في حماية أهل غزة. ربما أفرطت في «حسن ظنها» بالعدو وقدرت أنه سوف يلتزم بقواعد «فروسية القتال».. وكذلك في النظام الدولي، بالتزامه بالقواعد والقوانين المرعية، أممياً... الأكثر، فشلت المقاومة في توقع رد فعل النظامين الرسميين العربي والإسلامي. الحربُ كلفت العدو والعالم خسائر فادحة عسكرياً وأخلاقياً وسياسياً، إلا أنها كلفت الشعب الفلسطيني أثماناً باهظة، في الأرواح والممتلكات والإحساس بالأمان. كل تلك الأثمان الباهظة، يبدو أن الشعبَ الفلسطيني في غزة مستعدٌ لدفعها مقابلَ نصرٍ يتوّج بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، بعاصمتها القدس.
أهدافُ الطرفين من الحرب، يبدو أنها بعيدة المنال. مع طول أمد الحرب، يعتاد الرأي العام العالمي على مآسي الحرب، فيضعف التعاطف مع الضحية، ليفلت المعتدي من دفع تكلفة الثمن الأخلاقي والسياسي لجرائمه. فشل النظام الدولي في استصدار قرار من مجلس الأمن لوقف الحرب، يعطي المعتدي فرصةَ الإجهاز على المقاومة، تمهيداً لتصفية المسألة الفلسطينية، مرة واحدة للأبد.
أخذاً في عين الاعتبار ميلَ توازن القوة (المادي) ناحية المعتدي، والحصار الخانق سياسياً وجغرافياً وحياتياً على غَزّةَ وأهلها، فإن النصرَ المرَ قد يكون من نصيب المعتدي، بينما النصر المؤزر للمقاومة يحتاج إلى معجزة، في زمن لا يؤمن بالمعجزات، وإن كانت المعجزات تحدث، تاريخياً. كلما تمكنت المقاومة من الصمود.. وتفادت احتمالية الانكسار في الحرب، تقترب من نزول المعجزة، لا انتظارها وترقبها. العدو أكثر استعجالاً في إحراز النصر، حتى ولو كان مُراً، لأن وجوده على المحك. بينما الفلسطينيون لا يحتملون هزيمة الانكسار في الحرب، فذلك يذهب بقضيتهم، للأبد.
النصرُ أو الهزيمةُ في الحرب يحدد مصيرهما إرادة مواصلة القتال.. وتحمّل أعبائها.. والاستعداد للتضحية، مهما كانت تكلفتها. بينما الوقت وحده، في النهاية، مَنْ يحدد الفائز بقصب النصر. الوقتُ هو المحاربُ الشرسُ والفارسُ الغامضُ والجندي المجهول، في هذه الحرب، وأي حرب، الذي لا يفطن له أطرافها، كما لا يحسب حسابه متابعوها.
الوقت هو القاتل الحقيقي لأهداف أطرافها، المباشرين وغير المباشرين. ترى لأي طرفٍ تميل كفة الوقت. ننتظر لنرى.
حروب الشرق الأوسط الحديثة، أطولها حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق استمرت لثماني سنوات، بينما حرب 1967 حُسمت في ستة أيام. حربُ غزة الحالية تكاد تدخل شهرها الخامس. حربُ غزة فشلت إسرائيل في حسمها. وإن شهدت صموداً ملحمياً غير مسبوقٍ، أكسب القضية الفلسطينية حضوراً دولياً، رسمياً وشعبياً، إلا أن تكلفتها كانت فادحة على الفلسطينيين.. وثقيلة على النظام الدولي، أطرافاً ومؤسسات وقيماً، ليُترك للوقت الحسم فيها.
لذا: طول أمد الحرب، ليس بالضرورة في صالح أحد أطرافها، حتى لو «كسبها»، في نهاية المطاف. الحربُ على غزة أضرت كثيراً بالمكانة الإقليمية الرادعة لإسرائيل، لم يعد جيشها ذلك الجيش الذي لا يقهر. كما اهتزت ثقةُ الدول العظمى في إسرائيل بأداء دورها الوظيفي، خدمةً لمصالحهم في المنطقة بالإضافة إلى الضرر الجسيم بالمسألة الصهيونية. ضعفت كثيراً قضية العداء للسامية في مجتمعات الغرب، حيث ارتدت لصدرِ الصهاينة. بسبب الفضائح التي ترتكبها إسرائيل في غزة، التي تصل لحضيض الدرك الأسفل من الإبادة الجماعية، بدأت في مجتمعات الغرب تساؤلات حول منطقية الاستسلام لأسطورة العداء للسامية.
الحرب على غزة أتت على أكثر من 70% من البنية التحتية والفوقية للقطاع.. وذبحت بدمٍ باردٍ ما يقرب من ثلاثين ألف قتيل، مع أكثر من سبعين ألف مصاب.. وتُرِك ما يقرب من مليوني فلسطيني في العراء لا مأوى يظلهم، بلا طعام ولا ماء ولا كهرباء ولا وقود ولا دواء! وضع إنساني، ليست إسرائيل وحدها من تحمّل وزرَ ارتكابِ جُرْمِه، بل العالم بأسره يشارك في هذه الجريمة النكراء في حقِ الإنسانية، التي تهدد باستئصال جنس الشعب الفلسطيني من الخريطة الجينية للبشرية.
فصائل المقاومة، بالمقابل، وإن نجحت في ميدان القتال، إلا أنها فشلت في حماية أهل غزة. ربما أفرطت في «حسن ظنها» بالعدو وقدرت أنه سوف يلتزم بقواعد «فروسية القتال».. وكذلك في النظام الدولي، بالتزامه بالقواعد والقوانين المرعية، أممياً... الأكثر، فشلت المقاومة في توقع رد فعل النظامين الرسميين العربي والإسلامي. الحربُ كلفت العدو والعالم خسائر فادحة عسكرياً وأخلاقياً وسياسياً، إلا أنها كلفت الشعب الفلسطيني أثماناً باهظة، في الأرواح والممتلكات والإحساس بالأمان. كل تلك الأثمان الباهظة، يبدو أن الشعبَ الفلسطيني في غزة مستعدٌ لدفعها مقابلَ نصرٍ يتوّج بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، بعاصمتها القدس.
أهدافُ الطرفين من الحرب، يبدو أنها بعيدة المنال. مع طول أمد الحرب، يعتاد الرأي العام العالمي على مآسي الحرب، فيضعف التعاطف مع الضحية، ليفلت المعتدي من دفع تكلفة الثمن الأخلاقي والسياسي لجرائمه. فشل النظام الدولي في استصدار قرار من مجلس الأمن لوقف الحرب، يعطي المعتدي فرصةَ الإجهاز على المقاومة، تمهيداً لتصفية المسألة الفلسطينية، مرة واحدة للأبد.
أخذاً في عين الاعتبار ميلَ توازن القوة (المادي) ناحية المعتدي، والحصار الخانق سياسياً وجغرافياً وحياتياً على غَزّةَ وأهلها، فإن النصرَ المرَ قد يكون من نصيب المعتدي، بينما النصر المؤزر للمقاومة يحتاج إلى معجزة، في زمن لا يؤمن بالمعجزات، وإن كانت المعجزات تحدث، تاريخياً. كلما تمكنت المقاومة من الصمود.. وتفادت احتمالية الانكسار في الحرب، تقترب من نزول المعجزة، لا انتظارها وترقبها. العدو أكثر استعجالاً في إحراز النصر، حتى ولو كان مُراً، لأن وجوده على المحك. بينما الفلسطينيون لا يحتملون هزيمة الانكسار في الحرب، فذلك يذهب بقضيتهم، للأبد.
النصرُ أو الهزيمةُ في الحرب يحدد مصيرهما إرادة مواصلة القتال.. وتحمّل أعبائها.. والاستعداد للتضحية، مهما كانت تكلفتها. بينما الوقت وحده، في النهاية، مَنْ يحدد الفائز بقصب النصر. الوقتُ هو المحاربُ الشرسُ والفارسُ الغامضُ والجندي المجهول، في هذه الحرب، وأي حرب، الذي لا يفطن له أطرافها، كما لا يحسب حسابه متابعوها.
الوقت هو القاتل الحقيقي لأهداف أطرافها، المباشرين وغير المباشرين. ترى لأي طرفٍ تميل كفة الوقت. ننتظر لنرى.