نعلّمكم بعفاكم، رضي الله عنكم وأرضاكم، وجعل سعادتكم أكثر من شقاكم، ولمح لكم بعين شفقته ورحمته ولا خلّاكم. اعلامنا خير والصلاة على محمد (عليه الصلاة والسلام) في وادينا والله هادينا، نصالح من صالحنا، ولا نعادي من يعادينا، لا عريض ولا مريض، والمرجع عند الخلاف، قول الفريض، الديار تشابه الديار، والسيّار يزودنا بالأخبار، لا عُصاة ولا سَرَق، وكل شيخ حبّه؛ والكيل من فرق، بلادنا سهود ومهود، وعُود في عين الحسود، من يوم بايعنا آل سعود، أبروا علل الكبود، وصانوا الحدود، وحفظوا العهود، وما بخلوا على شعبهم، حبل فضلهم ممدود، والجود من الموجود.
إلا وغير، احتفلت بلادنا، من شرق وجنوب وغرب وشام، بذكرى تأسيس دولة العزّ على يد الإمام، وبعد يوم عامر بالأفراح، وليلة من الليالي الملاح، رجعت للبيت، وإذا بالجفن وسنان، واللحاف دفيان، وما أمدى عيني تغفي، إلا وشايب ينغزني في كتفي بشونه، ففزيت! وقال: لا خارع ولا فازع؛ أنا جدك السابع، فقلت: ما أعرف من أجدادي إلا الرابع، والخامس مقصوع أو قاصع، والدليل أن أهل مكة إذا حمقوا على واحد؛ يقولون: «هيا روح لا تخليني ألعن لك خامسك» لأنّ ما بعد الخامس، إلا ستر الله.
قال الجد الأحنى: صحيح، لأن صدق الأنساب أندر من وفاء الأصحاب، لكن ما فيه شجرة ما لها عروق، وبعض الجذور لطاف، وبعضها تنعاف، وبعضها عميق ما ينشاف، وبعضها هش وخِفاف؛ وبعضها قوي، وبعضها ضِعاف، وانتهرني؛ لا تكثّر هروجك الشامزة، جيتك أعطيك جائزة؛ وعلومي من علوم أسلافك الرقود، في زمن ما قبل حكم الإمام بن سعود.
وعرّفني بنفسه؛ قائلاً: أنا جدك السابع (ناحس الكئيب) جاءت بي للدنيا أمي، في يوم جديب، لا في صدرها وجيب، ولا في البقرة حليب، ولا في الخصفة قمح ولا زبيب، ولا قضب في الركيب، وما عرفت والدي الفاني؛ الذي مات بالحشرة، ولا خلّف لا خمسة ولا عشرة، ولا دجاجة ولا ديك، ولا هذي ولا ذيك، فتّحت عيوني على دهر موحش، وزمن أشقف منشّف، لا عبادة ولا طاعة؛ والنهب والسلب شجاعة، واللقط والمقط سباعة، واللي معه شوية معرفة براعة، والناس في بشاعة وشناعة.
وأضاف: خليت أُمي وداعة الرحمن، وسافرت في زمان ما فيه أمان، السرقان في كل دخش ومكان؛ والجزيرة مشتتة، والمتسلطين أشكال وألوان، وقوة التابع من قوة المتبوع المنقاد؛ والولاء يسام في المزاد، وتعطويت عند السروان والتهمان، والبدوان والحضران، والأجرة كسرة قرص وحبات تمر، ويوم راح من عمري أكثر مما بقي، ويوم راد ربك ما ينقطع نسلكم، تلاحقت وتداركت الطفسة اللي في ظهري، ولقيت لي حرمة بنت أجواد، فأعرست بها؛ طمعاً فيما عندها من زاد، ولأن الله يخرج الحيّ من ميّت، رزقنا اللي ما تكربه كربة، ولا تزرب قدرته زربة بجدك السادس (نحّاس) واستعجلت على تزويجه، لأنه خرج للدنيا معلول، ما خلينا به ساحر ولا كاهن، فقيه يحجبه، ومشعوذ يخنقه، ومحجّم يكويه، وسيّد ياهب له محوة يبلها ويشرب مويتها؛ فلحقت عليه، قبل ما يسوّد نوّه، وينطفي ضوّه، زوّجته بنت خالته (فانوس) فجاءت لنا بجدك الخامس (نحوس) ثم أخذ الله أمانته، ونحوس نحوس، مدّته تغني، ولطمته تعمي، وأنجب ذريّة ومات مختنق، نشب في حلقه دغبوس.
وطلب مني جدي (ناحس) طاسة ماء من القربة؛ يبلّ ريقه الناشف، فقمت وأحضرت له كأسة وجيك مثلّج، وعندما شمّ ريحة المستكة في الكأسة، زفر وقال: يا حظكم يا أحفادي؛ ستركم الله بدولة ابن سعود، كنا نقضي يوماً كاملاً ندوّر على الماء؛ وما نلقى ما نشرب، وإذا لقينا نقيع في وكار مصيناه وروث البهائم ومخلفات الطيور على سطحه تحوم؛ وتمر علينا شهور ما نحصّل آدمياً واحداً يفك الخط، ولا يرسم حرفاً، والجوع يقرص، والبرد يلسع، والبيوت في الشتاء سقوفها مناخل، والفراش علف، والغطاء إن دفّى أسفلك، ما يدفّي أعلاك، والقمل يسرح ويمرح، من شعورنا إلى قعورنا، وثيابنا مهتفرة، وخِلقنا تقطع الخميرة من البيت، والفقوع في كعوب الأقدام تسيل دماً، والحالة حالة، والعيشة رزالة، والمحظوظ اللي يموت، ويرتاح.
أكد جدي ناحس، أن الموتى اللي لحقوه؛ بشروه عن ذريته؛ وأبلغوه بظهور إمام في الدرعية، يقال له محمد بن سعود؛ وبه تحسّنت الأحوال لكن ما هي بالحيل؛ وأن نسل (ناحس) مستمر بعد (نحوس) إلا أن النحس انقطع، بقدوم الحفيد المحظوظ؛ جدي (ساعد) ثم حفيد حفيده الأحظ جدي (سعد) وحفيد حفيد الحفيد جدي الأوفر حظاً (سعيد) واستمر النسل في الجد الأسعد (أحمد) مع استعادة الملك عبدالعزيز الرياض، وتنحنح جدي وبكى! فنشدته: ليش تبكي يا جد المناحيس؟ فأجاب: أسعدتني أخبار توحيد المملكة، مع ولادة أبوك (محمد) وأبكي فرحاً لكم بما أنتم فيه من نعمة ورخاء، وحزن على ما لحقنا من عناء وشقاء وفناء؛ والله لا يضيّع لنا تعب، وأقسم أنهم منحوسون، لأن الحظ كما قال: يقوم وينام «إن قام حظك باع لك واشترى لك، وإن نام حظك لا شرى لك ولا باع».
حاولتُ أن يستمر جدي في سرد الحكاية الموجعة؛ لكنه نظر للشرق، وشاف نور الفجر مشع كالحريق، فقال: احمدوا الله على النعمة، ولا تكفروها فتعوّد نقمة، وتذكروا وش مرّ علينا؛ من فقر وجهل وأسقام، وما أنتم فيه من صحة ومعرفة وإنعام؛ وأصلحوا ما بينكم وبين الله؛ يصلح الله ما بينكم وبين حكامكم، وختم علامته؛ بقوله: هذا موجب وصولي إلى منامك، ريتني ولا ترى باس، وإذا حطيت رأسك على مخدتك يا فرخي فسمّ بالرحمن؛ عشان لا تبات تتهوّل؛ والله يعقبني عليك بالستر والعافية. واختفى جدي السابع؛ واستيقظتُ منتشياً وصوت الأرض يردد من الجوال: «وطني الحبيب يظلُّ موئل عزةٍ، والمُخلصون استشهدوا لحماه».
إلا وغير، احتفلت بلادنا، من شرق وجنوب وغرب وشام، بذكرى تأسيس دولة العزّ على يد الإمام، وبعد يوم عامر بالأفراح، وليلة من الليالي الملاح، رجعت للبيت، وإذا بالجفن وسنان، واللحاف دفيان، وما أمدى عيني تغفي، إلا وشايب ينغزني في كتفي بشونه، ففزيت! وقال: لا خارع ولا فازع؛ أنا جدك السابع، فقلت: ما أعرف من أجدادي إلا الرابع، والخامس مقصوع أو قاصع، والدليل أن أهل مكة إذا حمقوا على واحد؛ يقولون: «هيا روح لا تخليني ألعن لك خامسك» لأنّ ما بعد الخامس، إلا ستر الله.
قال الجد الأحنى: صحيح، لأن صدق الأنساب أندر من وفاء الأصحاب، لكن ما فيه شجرة ما لها عروق، وبعض الجذور لطاف، وبعضها تنعاف، وبعضها عميق ما ينشاف، وبعضها هش وخِفاف؛ وبعضها قوي، وبعضها ضِعاف، وانتهرني؛ لا تكثّر هروجك الشامزة، جيتك أعطيك جائزة؛ وعلومي من علوم أسلافك الرقود، في زمن ما قبل حكم الإمام بن سعود.
وعرّفني بنفسه؛ قائلاً: أنا جدك السابع (ناحس الكئيب) جاءت بي للدنيا أمي، في يوم جديب، لا في صدرها وجيب، ولا في البقرة حليب، ولا في الخصفة قمح ولا زبيب، ولا قضب في الركيب، وما عرفت والدي الفاني؛ الذي مات بالحشرة، ولا خلّف لا خمسة ولا عشرة، ولا دجاجة ولا ديك، ولا هذي ولا ذيك، فتّحت عيوني على دهر موحش، وزمن أشقف منشّف، لا عبادة ولا طاعة؛ والنهب والسلب شجاعة، واللقط والمقط سباعة، واللي معه شوية معرفة براعة، والناس في بشاعة وشناعة.
وأضاف: خليت أُمي وداعة الرحمن، وسافرت في زمان ما فيه أمان، السرقان في كل دخش ومكان؛ والجزيرة مشتتة، والمتسلطين أشكال وألوان، وقوة التابع من قوة المتبوع المنقاد؛ والولاء يسام في المزاد، وتعطويت عند السروان والتهمان، والبدوان والحضران، والأجرة كسرة قرص وحبات تمر، ويوم راح من عمري أكثر مما بقي، ويوم راد ربك ما ينقطع نسلكم، تلاحقت وتداركت الطفسة اللي في ظهري، ولقيت لي حرمة بنت أجواد، فأعرست بها؛ طمعاً فيما عندها من زاد، ولأن الله يخرج الحيّ من ميّت، رزقنا اللي ما تكربه كربة، ولا تزرب قدرته زربة بجدك السادس (نحّاس) واستعجلت على تزويجه، لأنه خرج للدنيا معلول، ما خلينا به ساحر ولا كاهن، فقيه يحجبه، ومشعوذ يخنقه، ومحجّم يكويه، وسيّد ياهب له محوة يبلها ويشرب مويتها؛ فلحقت عليه، قبل ما يسوّد نوّه، وينطفي ضوّه، زوّجته بنت خالته (فانوس) فجاءت لنا بجدك الخامس (نحوس) ثم أخذ الله أمانته، ونحوس نحوس، مدّته تغني، ولطمته تعمي، وأنجب ذريّة ومات مختنق، نشب في حلقه دغبوس.
وطلب مني جدي (ناحس) طاسة ماء من القربة؛ يبلّ ريقه الناشف، فقمت وأحضرت له كأسة وجيك مثلّج، وعندما شمّ ريحة المستكة في الكأسة، زفر وقال: يا حظكم يا أحفادي؛ ستركم الله بدولة ابن سعود، كنا نقضي يوماً كاملاً ندوّر على الماء؛ وما نلقى ما نشرب، وإذا لقينا نقيع في وكار مصيناه وروث البهائم ومخلفات الطيور على سطحه تحوم؛ وتمر علينا شهور ما نحصّل آدمياً واحداً يفك الخط، ولا يرسم حرفاً، والجوع يقرص، والبرد يلسع، والبيوت في الشتاء سقوفها مناخل، والفراش علف، والغطاء إن دفّى أسفلك، ما يدفّي أعلاك، والقمل يسرح ويمرح، من شعورنا إلى قعورنا، وثيابنا مهتفرة، وخِلقنا تقطع الخميرة من البيت، والفقوع في كعوب الأقدام تسيل دماً، والحالة حالة، والعيشة رزالة، والمحظوظ اللي يموت، ويرتاح.
أكد جدي ناحس، أن الموتى اللي لحقوه؛ بشروه عن ذريته؛ وأبلغوه بظهور إمام في الدرعية، يقال له محمد بن سعود؛ وبه تحسّنت الأحوال لكن ما هي بالحيل؛ وأن نسل (ناحس) مستمر بعد (نحوس) إلا أن النحس انقطع، بقدوم الحفيد المحظوظ؛ جدي (ساعد) ثم حفيد حفيده الأحظ جدي (سعد) وحفيد حفيد الحفيد جدي الأوفر حظاً (سعيد) واستمر النسل في الجد الأسعد (أحمد) مع استعادة الملك عبدالعزيز الرياض، وتنحنح جدي وبكى! فنشدته: ليش تبكي يا جد المناحيس؟ فأجاب: أسعدتني أخبار توحيد المملكة، مع ولادة أبوك (محمد) وأبكي فرحاً لكم بما أنتم فيه من نعمة ورخاء، وحزن على ما لحقنا من عناء وشقاء وفناء؛ والله لا يضيّع لنا تعب، وأقسم أنهم منحوسون، لأن الحظ كما قال: يقوم وينام «إن قام حظك باع لك واشترى لك، وإن نام حظك لا شرى لك ولا باع».
حاولتُ أن يستمر جدي في سرد الحكاية الموجعة؛ لكنه نظر للشرق، وشاف نور الفجر مشع كالحريق، فقال: احمدوا الله على النعمة، ولا تكفروها فتعوّد نقمة، وتذكروا وش مرّ علينا؛ من فقر وجهل وأسقام، وما أنتم فيه من صحة ومعرفة وإنعام؛ وأصلحوا ما بينكم وبين الله؛ يصلح الله ما بينكم وبين حكامكم، وختم علامته؛ بقوله: هذا موجب وصولي إلى منامك، ريتني ولا ترى باس، وإذا حطيت رأسك على مخدتك يا فرخي فسمّ بالرحمن؛ عشان لا تبات تتهوّل؛ والله يعقبني عليك بالستر والعافية. واختفى جدي السابع؛ واستيقظتُ منتشياً وصوت الأرض يردد من الجوال: «وطني الحبيب يظلُّ موئل عزةٍ، والمُخلصون استشهدوا لحماه».