غربت شمس العام الثاني من الحرب الروسية في أوكرانيا ولا يبدو أن هنالك ضوءاً في آخر النفق، حيث لا تزال العمليات العسكرية ما بين كر وفر بالرغم من التقدم النسبي الذي تحرزه القوات الروسية في الآونة الأخيرة، بالرغم من ذلك فإن احتمالية حسم الصراع لصالح موسكو لا تبدو مسألة سهلة خصوصاً أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ما زال يضع ثقله كاملاً في دعم الجانب الأوكراني، هذا الدعم تحيط به هالة من الشك والجدل على الصعيد الداخلي في معظم الدول الغربية، وخصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث الحزب الجمهوري يعبّر عن تململه وتبرّمه من المليارات التي تضخ باتجاه أوكرانيا، بل إن أحد النواب في الكونجرس الأمريكي صرّح بأن هذه المليارات كان الأولى أن تضخ لحماية الحدود الأمريكية، في إشارة إلى أزمة تكساس. لقد كان الغرب يمنّي نفسه بأن القوات الأوكرانية سوف تستطيع تحقيق تقدم ملموس في الهجوم المضاد الذي تم التحضير له لشهور طويلة ولكن النتيجة كانت مخيبة للآمال بالنسبة لهذه الدول، فموسكو لم تستطع فقط صد هذا الهجوم ولكنها حققت تقدماً على أكثر من جبهة، ومن هنا بدأ طرح التساؤلات حول جدوى هذه الحرب وحول ضرورتها وحول إمكانية الخروج منها، والرئيس الأوكراني زيلينسكي بدأ صوته يعلو بالشكوى من أن الدعم الغربي لا يمكّن بلاده من الدفاع عن نفسها. النجاح الوحيد الذي حققته الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية هو إطالة أمد هذا الصراع وإدخال روسيا في حرب استنزاف بالرغم من فشل التوقعات التي كانت تتكهن بضعف شديد للجانب الروسي بسبب العقوبات غير المسبوقة التي فرضت من الولايات المتحدة وأوروبا. لعل هذه الحرب وقضايا أخرى على المستوى الدولي عليها الانتظار حتى الانتخابات الأمريكية التي ربما تحمل إدارة جديدة لديها رؤية جديدة يمكن أن تفتح باباً للتفاوض يسمح بانتهاء هذا الصراع، خصوصاً أن المرشح الجمهوري دونالد ترمب وعد بإنهاء هذه الحرب خلال فترة وجيزة. مع اندلاع الحرب في أوكرانيا بدا أن أجواء الحرب الباردة قد عادت من جديد والتي كان يمكن أن تتحول إلى مواجهة مفتوحة بين الناتو وروسيا، فكان لسان حال الغرب حاداً وبدأ يضغط على الدول الأخرى لكي تتبنى مواقفه ضد روسيا، ولكن منذ اللحظة الأولى فإن الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية اتخذت موقفاً واضحاً لا لبس فيه بأنها سوف تقف على الحياد لأن علاقتها مع الغرب قائمة على أساس المصالح المشتركة، وهذه المصالح نفسها هي التي تدفع إلى بناء علاقات مع مختلف الأطراف الفاعلة على المسرح الدولي ومن ضمنها بكل تأكيد روسيا التي لها علاقات وطيدة مع العالم العربي ولديها حضور في كثير من الملفات. وكما استضافت المملكة الرئيس الأوكراني زيلينسكي استضافت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبذلت كل الجهود لمحاولة إنهاء هذه الحرب أو على الأقل التخفيف من وطأتها، خصوصاً على الدول النامية. المملكة نجحت في بناء مروحة من العلاقات على المستوى الدولي جعلتها واسطة العقد في العلاقات الدولية ومكّنها ذلك من لعب أدوار عدة ليس فقط على المستوى السياسي ولكن على مستويات اقتصادية وثقافية وحضارية. ولعل النموذج السعودي المرتكز على الحياد الإيجابي يمثل النموذج الأمثل الذي يمكن تبنيه من قبل كل الدول العربية.