إن الله خلق الإنسان وعلّمه البيان وبيَّن له الطرق لبلوغ الإيمان بخالق الأكوان، ولا شك أن طرق الوصول إلى الخالق كما تكون بالفطرة السليمة تكون أيضاً بالدليل والبرهان، وكما قال الأعرابي قديماً عندما سئل: كيف عرفت ربك؟ أجاب: «البعرة تدل على البعير، وآثار الأقدام تدل على المسير، أفسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، لا تدل على السميع البصير؟!».
إذاً السليقة المستقيمة والفطرة المستوية السليمة قادت هذا الأعرابي إلى التدبر في صانع هذا الكون الذي أوصله إلى معرفة الله؛ كما قال الإمام علي (عليه السلام): «أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ، وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ، وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ، وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الْإِخْلَاصُ لَهُ، وَكَمَالُ الْإِخْلَاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ».
ومن هنا يقودنا الحديث إلى ما قاله أحد الحكماء: «الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق»، ما يعني طرق معرفة الله تتباين من شخص إلى آخر، فمنهم من يأخذ بالدليل العقلي، ويتمسك به ويستدل على وجود الخالق وعلى معرفته وصفاته وعلى قدرته من خلاله، وهناك من يتبنى الطرق الحسية والعلمية؛ كقوله تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق}، ومنهم من يتبع إرشاد الأنبياء والأوصياء، ومنهم من يسلك الطريق الذي يعبِّر عنه بطريق الإشراق من خلال التصفية الروحية والتقرب إلى الله عبر العبادة وتطهير النفس بالسير والسلوك إليه تعالى بخطوات تهذيبية فيها ترويض النفس. ولا جرم أن كل الطرق تؤدي إلى معرفة المولى (عز وجل) ولكن بشرطها وشروطها، دون الخروج عن الأحكام الشرعية ومع الحذر من مخالفتها؛ إذ لا يطاع الله حيث يعصى.
إن العرفان مشتق من المعرفة، وهي أعلى رتبة من العلم، والتي يصل إليها العارف بفضل الحكمة والفراسة التي ينبض بها قلبه الذي امتلأ من فيض نور الله. ولا شك أن هذه المنزلة نعمة من الله على خواص عباده الذين خاضوا سبيل الهدى والمعرفة، وهم الذين قال فيهم المولى (عز وجل): {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلّا اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ منْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُوْلُوا الألْبَابِ}.
إن العرفان يُعنى بتفسير الوجود والوصول إلى معرفة الله، والبحث في أسرار العالم والإنسان، ويعتمد في الوصول إلى الحقيقة بالاستدلال عليها بالكشف والسير والسلوك؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ}.
والعارف يرى أن أصل الوجود هو الله، وكل ما عداه ما هو إلا أسماء وصفات وتجليات له تعالى. كما أن العرفان يبحث في علاقة الإنسان مع نفسه، وعلاقته بخالقه، وهذا ما يسمى بالسير والسلوك إلى الله. والتوحيد الحقيقي عند العارف هو الوصول إلى مرحلة لا يرى فيها إلا الله، وهو منتهى اليقين. ولا شك أن الوصول إلى هذه المنزلة العرفانية يتطلب مجاهدة النفس، وتنقيتها من الأدران، وتهذيبها بالأخلاق، لكي يصل من خلال ذلك إلى الله سبحانه فيعبده حق عبادته، وكما قال رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار): «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه».
وفي المفهوم لا يختلف التصوف عن العرفان، فالتصوف أرقى درجات العلوم، يهتم باكتساب العلوم والمعارف الدنيوية من جهة، ويركز على عالم الروحانيات لتصفية القلوب وتنقيتها من الرذائل والموبقات والسيئات والخطايا. وإن غاية التصوف هي معرفة الله وصفاته وأفعاله، ولا يمكن بلوغه إلا بالعلم الإلهامي اللدني؛ قال تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}؛ لذلك نجد أن التأمل في الله والملكوت هو من أعظم الأشياء التي يستنبطها الصوفي، فليس أعظم في الكون من الوصول إلى درجة اليقين بالله من خلال عبادته والتأمل في الوجود والتعبد بالخالق الإله الواحد الموجود.
إننا في رحلة البحث عن معرفة الله لعبادته وتوحيده نختار أسهل الطرق وأرسخها، لإثبات وجود الله تعالى، كي لا نحتاج إلى مقدمات صعبة أو مُعقّدة، بل نسير بأسلوب ميسّر واضح يمكن لجميع الناس على اختلاف مستوياتهم الثقافية فهمُه واستيعابه. ومن الضرورة بمكان التأكيد على أن إدراك الناس لمراتب العرفان على درجات متفاوتة، فلكل طريقته للوصول إلى المعرفة؛ قال (عز من قائل): {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}.
نختم بالقول: إننا في هذا الزمن الذي طغت فيه الماديات وتراجع فيه إيمان الناس، في أمسِّ الحاجة إلى العودة إلى سلوك درب السالكين ونهج العارفين بشرط الالتزام بالأحكام الشرعية. ولا شك أن الاهتمام بالعرفان والتصوف له أهميته على الصعيد الفردي والمجتمعي، فهو يعمِّق علاقة الإنسان بربه ليرتقي في درجات الإيمان، كما أنه يفعِّل ثقافة المحبة والتسامح بين البشر؛ فقلب العارف ينبض بالمحبة والسكينة وحب الخير للناس ونشر السلام وتعزيز قيم التسامح وترسيخ التعايش السلمي بين الشعوب؛ وكما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): «الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق».
إذاً السليقة المستقيمة والفطرة المستوية السليمة قادت هذا الأعرابي إلى التدبر في صانع هذا الكون الذي أوصله إلى معرفة الله؛ كما قال الإمام علي (عليه السلام): «أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ، وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ، وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ، وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الْإِخْلَاصُ لَهُ، وَكَمَالُ الْإِخْلَاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ».
ومن هنا يقودنا الحديث إلى ما قاله أحد الحكماء: «الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق»، ما يعني طرق معرفة الله تتباين من شخص إلى آخر، فمنهم من يأخذ بالدليل العقلي، ويتمسك به ويستدل على وجود الخالق وعلى معرفته وصفاته وعلى قدرته من خلاله، وهناك من يتبنى الطرق الحسية والعلمية؛ كقوله تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق}، ومنهم من يتبع إرشاد الأنبياء والأوصياء، ومنهم من يسلك الطريق الذي يعبِّر عنه بطريق الإشراق من خلال التصفية الروحية والتقرب إلى الله عبر العبادة وتطهير النفس بالسير والسلوك إليه تعالى بخطوات تهذيبية فيها ترويض النفس. ولا جرم أن كل الطرق تؤدي إلى معرفة المولى (عز وجل) ولكن بشرطها وشروطها، دون الخروج عن الأحكام الشرعية ومع الحذر من مخالفتها؛ إذ لا يطاع الله حيث يعصى.
إن العرفان مشتق من المعرفة، وهي أعلى رتبة من العلم، والتي يصل إليها العارف بفضل الحكمة والفراسة التي ينبض بها قلبه الذي امتلأ من فيض نور الله. ولا شك أن هذه المنزلة نعمة من الله على خواص عباده الذين خاضوا سبيل الهدى والمعرفة، وهم الذين قال فيهم المولى (عز وجل): {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلّا اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ منْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُوْلُوا الألْبَابِ}.
إن العرفان يُعنى بتفسير الوجود والوصول إلى معرفة الله، والبحث في أسرار العالم والإنسان، ويعتمد في الوصول إلى الحقيقة بالاستدلال عليها بالكشف والسير والسلوك؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ}.
والعارف يرى أن أصل الوجود هو الله، وكل ما عداه ما هو إلا أسماء وصفات وتجليات له تعالى. كما أن العرفان يبحث في علاقة الإنسان مع نفسه، وعلاقته بخالقه، وهذا ما يسمى بالسير والسلوك إلى الله. والتوحيد الحقيقي عند العارف هو الوصول إلى مرحلة لا يرى فيها إلا الله، وهو منتهى اليقين. ولا شك أن الوصول إلى هذه المنزلة العرفانية يتطلب مجاهدة النفس، وتنقيتها من الأدران، وتهذيبها بالأخلاق، لكي يصل من خلال ذلك إلى الله سبحانه فيعبده حق عبادته، وكما قال رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار): «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه».
وفي المفهوم لا يختلف التصوف عن العرفان، فالتصوف أرقى درجات العلوم، يهتم باكتساب العلوم والمعارف الدنيوية من جهة، ويركز على عالم الروحانيات لتصفية القلوب وتنقيتها من الرذائل والموبقات والسيئات والخطايا. وإن غاية التصوف هي معرفة الله وصفاته وأفعاله، ولا يمكن بلوغه إلا بالعلم الإلهامي اللدني؛ قال تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}؛ لذلك نجد أن التأمل في الله والملكوت هو من أعظم الأشياء التي يستنبطها الصوفي، فليس أعظم في الكون من الوصول إلى درجة اليقين بالله من خلال عبادته والتأمل في الوجود والتعبد بالخالق الإله الواحد الموجود.
إننا في رحلة البحث عن معرفة الله لعبادته وتوحيده نختار أسهل الطرق وأرسخها، لإثبات وجود الله تعالى، كي لا نحتاج إلى مقدمات صعبة أو مُعقّدة، بل نسير بأسلوب ميسّر واضح يمكن لجميع الناس على اختلاف مستوياتهم الثقافية فهمُه واستيعابه. ومن الضرورة بمكان التأكيد على أن إدراك الناس لمراتب العرفان على درجات متفاوتة، فلكل طريقته للوصول إلى المعرفة؛ قال (عز من قائل): {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}.
نختم بالقول: إننا في هذا الزمن الذي طغت فيه الماديات وتراجع فيه إيمان الناس، في أمسِّ الحاجة إلى العودة إلى سلوك درب السالكين ونهج العارفين بشرط الالتزام بالأحكام الشرعية. ولا شك أن الاهتمام بالعرفان والتصوف له أهميته على الصعيد الفردي والمجتمعي، فهو يعمِّق علاقة الإنسان بربه ليرتقي في درجات الإيمان، كما أنه يفعِّل ثقافة المحبة والتسامح بين البشر؛ فقلب العارف ينبض بالمحبة والسكينة وحب الخير للناس ونشر السلام وتعزيز قيم التسامح وترسيخ التعايش السلمي بين الشعوب؛ وكما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): «الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق».