قال تعالى (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير). «يسألك الناس أيها النبي عن حكم القتال في الأشهر الحرم، قل مجيباً إياهم: القتال في هذه الأشهر عظيم عند الله ومستنكر» «المختصر في التفسير». وروى أحمد (14583) «لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى أو يغزوا، فإذا حضر ذلك أقام بنا حتى ينسلخ» وقال الشيخ بن عثيمين «القول الراجح من أقوال العلماء أنه لا يجوز القتال فيها -الأشهر الحرم- إلا ما كان دفاعاً، أو كان قد انعقدت أسبابه من قبل، بمعنى: أنه لا يجوز أن نبدأ قتال الكفار في هذه الأشهر الحرم، إلا إذا كان دفاعاً» «اللقاء الشهري» (27/ 3). وقياساً على سنّة تعظيم حرمة الأشهر الحرم بالامتناع عن القتال فيها فمن يبتغي تعظيم حرمة شهر رمضان بحق فعليه الامتناع عن كل أعمال العنف والحرب والقتال والإرهاب خلاله، وغير المسلمين لن يعظموا حرمة رمضان إن لم يروا المسلمين يعظمون رمضان بالأفعال لا بالأقوال، وذلك بجعل رمضان شهر هدنة ودبلوماسية السلام، وإن كان الامتناع عن الأعمال الحربية من جانب واحد فحرج الطرف الآخر أمام الرأي العام العالمي أن يقاتل من يمتنع عن القتال لأسباب دينية سيضطره للتوقف عن الأعمال الحربية، وهذا الامتناع عن القتال سيعطي زخماً لأي مساعٍ للحلول الدبلوماسية والسلمية، ثم ليس من المنطق صوم الناس عن الماء دون الصوم عن الدماء، وأيضاً غالباً المقاتلون يضطرون للفطر في رمضان، لذا حتى لجانب العبادة الهدنة في رمضان ضرورية لصيام الفئات المقاتلة، مع العلم أن الأصل في حكمة شهر الصيام هو تدريب الإنسان على ضبط نزعاته لإلزامها بالمثاليات العليا، وهذا واضح في الأحاديث النبوية عن حكمة وسبب الصيام والتي تقول إنه بدون مراعاة ضبط الإنسان لنزعاته السلبية لا قيمة لصيامه (من لم يدع قول الزور -ما يخالف الصدق والحق- والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) البخاري. (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر) ابن ماجة والحاكم. (الصيام جنة -حماية- فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث -الرفث: الفحش- ولا يجهل «برواية ولا يصخب»، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم مرتين) البخاري. (ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو -الكلام غير المنضبط- والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم) ابن حبان والحاكم، وما أحوج المسلمين لتدريب النفس على الامتناع عن العنف والقتل وعديد من الدول العربية غارقة في الحروب الأهلية والإرهاب والعنف الاجتماعي، ومن سيبادر في إعلان الهدنة في رمضان تعظيماً لحرمته سيكون له أجر سن سنة حسنة «من سن سنة حسنة فعمل بها، كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها، لا ينقص من أجورهم شيئاً» صحيح ابن ماجة. وكثيراً ما يكون السبب في استمرار الصراع والقتال تهيب أطرافه من أن إعلان وقف القتال من جانبهم سيرى على أنه ضعف أو استسلام، لذا وقف القتال تعظيماً لحرمة رمضان سيكون حجة ترفع الحرج عن الأطراف الراغبة في وقف الصراع ويفتح بالتالي باب المفاوضات والحلول الدبلوماسية السلمية، وفي حالة غزة وقف إسرائيل عملياتها الحربية ضروري لوقف المجاعة التي بدأت بالفعل تفتك بالأطفال، لذا يجدر بحماس إعلان مبادرة بوقف عملياتها خلال رمضان، وتجاوباً مع هذا الإعلان يتم الضغط على إسرائيل لوقف حربها وحصارها ولو لهدنة مؤقتة.