-A +A
محمد حميدة
تشهد منطقة الاتحاد المغاربي تحركات سياسية غير مسبوقة، وأمنية غير معلنة، في ظل إعادة ترتيب الأوراق والتحولات الحاصلة عالمياً وإقليمياً، والسباق باتجاه العمق الأفريقي بعد الخروج الفرنسي من هناك.

دون شك فإن فرنسا لن تسلم بهذه الهزيمة التاريخية وستعمل جاهدة على إبقاء المنطقة بالكامل في حالة اشتعال كبير، تسخّر فيها جميع أوراقها في الدول التي خرجت منها أو التي تربطها معها علاقة حالية، والتي لم تتخلص بعد من مفهوم الاستعمار والوصاية.


أحد أبرز عناوين المنطقة، هي الخلافات بين المغرب والجزائر وهي ذاتها القائمة منذ سنوات، غير أن بعض المستجدات الراهنة تهم موريتانيا التي ترى في وجودها ضمن الاتحاد المغاربي حماية لهويتها العربية، في ظل اضطرابات تخشاها في محيطها الإقليمي جنوباً وشرقاً في علاقاتها مع دول غرب أفريقيا وشمالاً في علاقات الجوار المغاربي، خاصة أن ناتجها المحلي يناهز 9,715 مليار دولار، ما يحتم عليها الكثير من التأني في قراراتها.

في المشهد الراهن تبرز العديد من الأسئلة بشأن الدور الذي يمكن أن تلعبه موريتانيا في منطقة الاتحاد المغاربي في ظل أزمة ليبيا والوضع التونسي، واتجاه الأنظار صوب نواكشوط لعوامل عدة، يمكن معها لعب الدور الأبرز في الحفاظ على توازن المنطقة، بحيث لا تذهب لأبعد مما هي عليه الآن، وهو ما يمكن قراءته بشكل أوضح من موقف الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزاوي، الذي اختار منطقة الحياد من التكتل الذي يضم ثلاث دول من أعضاء الاتحاد المغاربي هي الجزائر وتونس وليبيا، الذي تشكل خلال قمة منتدى الدول المصدرة للغاز الأخيرة في الجزائر مطلع مارس 2024، والذي يظل محل ترقب بشأن الخطوات اللاحقة التي تترتب على اللقاء المرتقب في تونس عقب عيد الفطر.

تاريخياً فإن العلاقات الموريتانية مع كل من الدولتين مرت بتقلبات وقطيعة مع كل منهما في فترات مختلفة، وظلت محل ترقب ونقد من كل منهما في علاقتها مع الآخر، واتهامات غير رسمية في بعض الأحيان بالانحياز لهذا أو ذاك، لكن نواكشوط تمسّكت بالحد الأدنى ربما الذي يحافظ على علاقتها بجميع دول الاتحاد ربما لحسابات مستقبلية، نظراً لضعف اقتصادها وعدم قدرتها ربما على تحمل فاتورة الاصطفاف، أو رغبة منها في استقرار إقليمي أكبر، في ظل التوترات المستمرة على الحدود الأخرى، جميعها عوامل لها مؤشراتها ومنطقيتها.

ظلت موريتانيا طيلة عقود على هامش الأحداث، فيما تحمل الأوضاع الراهنة مؤشرات على دور متنام لهذا البلد، استناداً إلى الثروات المكتشفة والموقع الجغرافي الذي يكسبها ميزة مع التحولات الحاصلة إقليميا.

في مذكرات الرئيس الراحل مختار ولد داداه بعنوان «موريتانيا في مواجهة العواصف والأمواج»، تحدث تفصيلا عن الوساطة بين القيادتين المغربية والجزائرية، وكيف تحولت علاقات بلاده الحذرة والمتوازنة مع الجارتين الكبيرتين في منتصف السبعينات إلى علاقة تحالف مع المغرب ثم حالة عداء مع الجزائر، ثم عادت مرة أخرى وتوترت في العام 2015، بعد تبادل طرد دبلوماسيين، لكنها عادت في الوقت الراهن لمستويات متقدمة مع الجزائر من بوابة الاقتصاد.

بالنظر للعلاقات الاقتصادية بين موريتانيا ودول الاتحاد المغاربي فهي متواضعة، إذ تناهز 414 مليون دولار مع الجزائر، وأكثر من 300 مليون دولار مع المغرب، أما مع تونس فهي أقل من 100 مليون دولار، فيما يراوح حجم التبادل بين موريتانيا وليبيا نحو 450 ألف دولار، وفق مصرف ليبيا المركزي.

وتمتلك موريتانيا ثروة سمكية هائلة تقدر طاقة تصديرها السنوية بـ1.8 مليون طن، وفق أحدث الإحصائيات في وكالة «ترقية الاستثمارات» في نواكشوط، لم تتجاوز نسبة التصدير 1.2 مليون طن، كما تتوفر على احتياطات تقدر بـ400 مليون برميل من النفط، و100 تريليون قدم مكعب من الغاز، فضلا عن استراتيجيتها في مجال الطاقة وإنتاج الغاز المسال وكذلك إنتاج الهيدروجين الأخضر، وسعيها لتكون ضمن اللاعبين في المنطقة، خاصة بعد انضمامها لمنتدى الدول المصدرة للغاز.

في المجمل فإن التموقع الذي اختارته موريتانيا لنفسها منذ سنوات وحفاظها على علاقات مع الدول المغاربية يؤهلها للاستفادة من هذه العلاقات عبر الثروات الجديدة المكتشفة، وكذلك من الاستثمارات التي قد تحظى بها في قطاع الطاقة، في ظل موقعها الجغرافي الذي يجعلها بوابة نحو دول غرب أفريقيا، ولعب الدور الإيجابي لعدم انهيار الاتحاد بشكل كامل وفتح الباب لسيناريوهات وتدخلات أجنبية أكبر مما هي عليه قد تشعل المنطقة.

في الإطار لا يمكن تجاهل ما أعلنه الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني في ديسمبر 2021، حيث أكد رغبة نواكشوط في تعزيز «اللحمة المغاربية»، وهو ما قرأه بعض الخبراء على أنه رسالة غير مباشرة من أجل التوسط بين البلدين المغاربيين في ما يتعلق بالقضايا الخلافية، الأمر الذي يؤكد تموقع موريتانيا بما يحافظ على توازن المنطقة في محاولة لإعادة العمل لاتحاد المغرب العربي، الذي يمكن أن يكون أكثر فاعلية بانضمام دولة جديدة بحجم مصر، وما يمكن أن تقوم به في إطار الاستقرار بالمنطقة.