-A +A
رامي الخليفة العلي
تعرضت العاصمة الروسية موسكو إلى هجوم إرهابي، راح ضحيته ما يزيد على 130 شخصاً في أحد المراكز التجارية، بينما كانوا يستعدون لحضور حفل موسيقي. يعتبر هذا الهجوم الأكثر دموية على امتداد السنوات الماضية، بالرغم من أن موسكو تعرّضت لأكثر من هجوم إرهابي استهدف المدنيين. من جهته، أعلن تنظيم إرهابي في خراسان مسؤوليته عن هذا الهجوم. وقد قلنا مراراً وتكراراً بأن الإرهاب لا دين له، وهو نتيجة فكر ضال وعقيدة مشوهة. الهجوم الإرهابي، سواء كان عملاً فردياً أو كما يسمى في الإعلام الغربي «الذئاب المنفردة»، أو كان عملاً منظماً تقوم به جماعات لديها دعم لوجستي في البلد المستهدف وتخطط جيداً لأعمالها الإرهابية، فهو مدان ومرفوض ويجب مواجهته على كافة المستويات الأمنية والاستخباراتية. لكن الإرهاب من جهة أخرى هو ظاهرة تتغذى من الصراعات والأزمات التي تنتشر هنا وهناك، وهذا الذي حدث عندما تركت الأزمة السورية كي تتهتك وأدت إلى استقطاب الكثير من الأيديولوجيات المتطرفة، وأصبح ولأول مرة هنالك مكان تسيطر عليه تنظيمات راديكالية، أعلنت نفسها دولة وهو تنظيم داعش. وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإنشاء تحالف استطاع بالفعل عقب شهور وسنوات القضاء على الجسم الصلب لهذا التنظيم الإرهابي، ولكن الأيديولوجيا وكذلك كثير من الخلايا النائمة تكمن بانتظار اللحظة المناسبة لكي تخرج وتمثل تهديداً سواء لمنطقة الشرق الأوسط أو للعالم برمته. صحيح أن واشنطن وعدداً من الدول أعلنت النصر على تنظيم داعش ولكن في حقيقة الأمر فإن التربة الخصبة التي نشأ ونما وترعرع فيها التنظيم الإرهابي لم تتم معالجتها، فبقيت الأزمات مفتوحة وكادت تصبح في طي النسيان، منها الأزمة السورية التي تجمدت بالفعل على امتداد السنوات الماضية، ولا تزال تراوح مكانها، بل بالعكس فإن الأوضاع الاقتصادية أصبحت كارثية، وانضافت إلى ذلك الحرب في السودان، وبقاء حالة عدم الاستقرار في اليمن. وما زاد الطين بلة الحرب التي يشهدها قطاع غزة في الشهور الماضية، وهي حرب غير مسبوقة من حيث حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية وبالأعيان المدنية. المنطقة بحاجة وأكثر من أي وقت مضى إلى جهود حثيثة من أجل ترتيب الأوراق وحل الأزمات وفتح محادثات وحوارات بين مختلف الأطراف على ما بينها من تناقضات، من أجل الوصول إلى تسويات. ولدينا تجربة قريبة وهي الخيار السعودي عندما رعت المملكة قمة العلا التي نزعت فتيل الأزمة الخليجية، وعندما فتحت المملكة حواراً مع الجانب الإيراني. بل إن خيار السلام بدأ يطرح كخيار استراتيجي للمنطقة برمتها، ولكن أحداث 7 أكتوبر الماضي حاولت وضع العراقيل أمام هذا الجهد الكبير الذي قامت به الدبلوماسية السعودية. اليوم والإرهاب يطل برأسه من جديد وحالة الدمار التي يشهدها قطاع غزة وإمكانية انفجار الأوضاع في أكثر من ساحة، فلا مناص سوى العودة إلى الخيار السعودي وإعادة ترتيب الأوراق في هذه المنطقة المنهكة بالنزاعات والأزمات. وأول هذه الأوراق هو إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية. في هذا السياق لا بد من همسة لصانعي الإعلام غير المسؤول، الذي يصب الزيت على النار وكأنه يقتات على رفع وتيرة العنف والغضب، مما يؤدي إلى الانفلاتات الإرهابية التي نراها لنقول له (كفى).