-A +A
محمد حميدة
تشهد منطقة الساحل والصحراء توترات متعددة متزايدة تشير إلى تفاقم حجم المخاطر المحتملة هناك وارتداداتها المحتملة على شمال أفريقيا وصولاً لمصر عبر حدودها الغربية مع ليبيا، خاصة بعد أن أفضت الاضطرابات هناك إلى إعادة صياغة الخريطة الجيوسياسية وطبيعة التحالفات الإقليمية والدولية في المنطقة.

خلال السنوات الأخيرة عرفت منطقة الساحل والصحراء توافد العديد من العناصر الإرهابية الذين كانوا ضمن صفوف تنظيم «داعش» الإرهابي في العراق وسورية (المحظور دولياً)، وكذلك انضمام عناصر جديدة للحركات هناك، في ظل التنافس الحاصل على مستوى القاعدة و«داعش»، لكن المخاطر التي تشكلها المنطقة تتجاوز تنامي دور الجماعات الإرهابية، لتتضمن أنشطة الاتجار بالبشر وتهريب السلاح الذي بات يشكل مخاطر كبيرة في المنطقة، في ظل العوامل التي طرأت خلال العام 2023، والمتوقعة خلال العام الحالي 2024.


ومن المرتقب أن تشكل منطقة الساحل مصدر قلق كبير، خاصة أن إحصاءات العام الماضي تشير إلى مقتل قرابة 4 آلاف شخص في أفريقيا بسبب الهجمات الإرهابية، أدت إلى زيادة قدّرت بنحو 19% مقارنة بالعام 2022، كما شكلت الأعمال الإرهابية نحو 50% من العمليات، والأنشطة غير القانونية والشرعية على مستوى العالم، يتوقع زيادتها خلال السنوات المقبلة.

وتضم المنطقة الجماعات الإرهابية «بوكو حرام»، و«جماعة أنصار الدين» وتعد أكبر الجماعات المتطرفة في إقليم أزواد، جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» والتي تضم جماعة «أنصار الدين وجبهة تحرير ماسينا وتنظيم المرابطون وجناح الصحراء»، تنشط في منطقة الساحل والصحراء، ويقودها إياد أغ غالي، القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، بالإضافة لجماعة «الجهاد والتوحيد»، وتنظيم «داعش في الصحراء الكبرى».

من خلال قراءة المؤشرات الحالية في المنطقة، فإن العديد من العوامل تؤكد تفاقم المخاطر خلال 2024 والأعوام المقبلة، وكذلك ارتداداتها على شمال أفريقيا التي باتت في حاجة لتنسيق أمني أكبر مما هو عليه الآن، لمواجهة ارتدادات المخاطر القائمة.

في منطقة الساحل، يمكن اعتبار العديد من موجة الانقلابات العسكرية التي وقعت مؤخراً هناك، وشملت ثماني دول في نحو 3 سنوات منها مالي وبوركينا فاسو والنيجر وغينيا والغابون، بمثابة عدوى للدول المجاورة والتي يتوقع تزايدها العام 2024، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن الخروج من العباءة الفرنسية والتأييد الشعبي الكبير لهذه الخطوة يمثل فرصة أمام التيارات التي تطمح في تصدر المشهد والاستيلاء على السلطة هناك.

كما يمكن اعتبار ظهور جيل جديد من القادة الشعبويين الشباب في القارة الأفريقية، أحد أهم العوامل التي تؤسس لمرحلة مغايرة في المنطقة، خاصة في ظل غياب التنمية الحقيقية وتركيز الاستثمارات لفائدة الأحزاب والفئات الموالية للدول الأوروبية، وعدم نجاح آليات معالجة التطرف العنيف في خلق واقع مستقر ومستدام.

عامل ثالث يتمثل في التنافس الدولي من أجل ملء الفراغ العسكري والأمني هناك، وكذلك مواجهة الجماعات الإرهابية، وهو ما سيخلق ولاءات متعددة في المنطقة وربما في الدولة الواحدة.

انطلاقاً مما سبق يمكن القول إن العديد من الدول مهددة خلال الفترة المقبلة بانقلابات جديدة أو حالة عدم استقرار، خاصة التي فشلت فيها محاولات سابقة ومنها «غينيا بيساو وغامبيا وجزيرتا ساو تومي وبرينسيبي» والعديد من الدول الأخرى التي تزيد المخاطر فيها في ظل استمرار العوامل المشجعة.

كل ما سبق يمكن التنبؤ معه بموجات هجرة غير شرعية وغير مسبوقة من المنطقة، وهو ما تفسره تحركات الاتحاد الأوروبي مؤخراً وتوقيعها معاهدات مع تونس ومصر وسعيها لمعاهدات مشابهة مع المغرب، بعد 7 سنوات من اتفاقات وآليات تعاون مع ليبيا لاعتراض اللاجئين والمهاجرين الذين يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط. وقد بلغ عدد الذين تم اعتراضهم في البحر، وأعيدوا إلى ليبيا في السنوات السبع الماضية، ما يربو على 82000 شخص حتى 2022 فقط، والذين يعشيون في ظروف قاسية يعانون فيها من التعذيب والاغتصاب والقتل في بعض الحالات، إضافة لتجاوزات خطيرة.

من خلال الوضع في ليبيا يمكن التأكيد بأن المقاربة الأمنية التي تعتمدها أوروبا في معالجة أزمة الهجرة غير الشرعية من خلال إعادتهم للدول التي قدموا منها سواء كانت تونس أو ليبيا أو المغرب باعتبارها بلدان عبور، فإن الخطوة ستشكل أزمات متزايدة للبلدان الثلاث على المستوى الأمني في المقام الأول، بالإضافة للأعباء الاقتصادية والغذائية وجوانب أخرى، لا يمكن لهذه الدول تحملها في السنوات المقبلة، في حين أن المقاربة الأنجع هي اعتماد التنمية والاستثمار في البلدان الأفريقية لتكون التنمية هي حائط الصد الأول أمام هروب مئات الآلاف من الجوع والفقر والقتل.

وفق جل المؤشرات السابقة، فإن منطقة شمال أفريقيا باتت مهددة بشكل كبير، نظراً لضعف التنسيق الأمني من عدة جهات، وبقاء بعض الساحات مفتوحة على المخاطر وفي المقدمة منها ليبيا التي تعاني الانقسام منذ 2011، والانسداد الذي يعانيه المسار السياسي، فوفق تقرير أممي في 15 فبراير 2023 فإن حالة الفوضى التي غرقت فيها ليبيا منذ 2011 أدت إلى تدفق الأسلحة من الدولة الواقعة في شمال القارة إلى دول الساحل الواقعة جنوبها وانتقال الجماعات المتطرفة إلى دول شمال غرب أفريقيا، فضلاً عن الأزمة السودانية التي وصلت تداعياتها لتشاد التي تعاني بالأساس من وضع اقتصادي متأزم، فاقمه وصول عشرات الآلاف من السودان.

في الختام، يمكن القول إن المخاطر القادمة من منطقة الساحل والصحراء لا يمكن منعها في الوقت الراهن نظراً لبقاء العوامل وتناميها مستقبلاً، فيما تظل بعض العوامل في منطقة شمال أفريقيا تثير التخوفات بشأن مدى نفاذ التداعيات للمنطقة.

في المقدمة منها ضعف التنسيق الأمني بين دول المنطقة، والذي يرسمه التباين بين دول المنطقة خاصة في الساحة الليبية.

العامل الثاني يتمثل في ارتفاع المؤشرات في ليبيا بشأن صدام عسكري محتمل، بعد فشل المسارات السياسية التي عملت عليها الأمم المتحدة طوال السنوات الماضية.

العامل الثالث يتمثل في الحضور الإيراني من جهة والإسرائيلي من جهة أخرى، إضافة لحضور القوى الكبرى في المنطقة، بما يجعل منها ساحة للتنافس على كافة المستويات، بما يدفع نحو فاتورة باهظة حال المضي قدما في مسار التباين وصولاً إلى الانقسام والتشرذم في المنطقة.

إجمالا يمكن اعتبار المؤشرات السابقة بمثابة جرس إنذار، بما يستدعي الحيطة واتخاذ التدابير اللازمة لتفادي مسارات أسوأ في وقعها من الحالية على المنطقة المؤهلة بقوة لتكون ساحة صراع عنيف في المستقبل.