لطالما تمكّن الكثير من الزعماء السياسيين من استغلال ورقة الكره الشعبي لإسرائيل في العالمين الإسلامي والعربي؛ بسبب تصرفاتها الهمجية تجاه الفلسطينيين، على نحوٍ يحقق لهم مصالحهم الشخصية الضيقة، وقد تمكنت هذه الورقة الرابحة من دعمهم شعبياً والإسهام في التغاضي عن الكثير من السلبيات التي تسببوا في إحداثها داخل دولهم، وعلى الرغم من إدراك قادة إسرائيل لتلك الحقيقة إلا أنهم لا يكترثون بذلك، وأنا لا أنتوي استعراض التاريخ الطويل لتلك المزايدات السياسية، ولكن دعونا نلقي نظرة سريعة على بعض من أبرز أحداثها.
لنعد لأربعة عقود ماضية، عندما أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن بضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981؛ الذي كان قيد الإنشاء، كان العراق وقتئذٍ منخرطاً في الحرب بشدة مع إيران، وكان من المتوقع تماماً قيام العراق بالرد على ذلك الهجوم ثأراً لتدمير المفاعل الذي كلفه مئات الملايين من الدولارات، غير أن الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين (المثير للدهشة) لم يأمر ولو بإطلاق رصاصة واحدة للرد على ذلك الهجوم، غير أنه عقب انتهاء الحرب مع إيران أعلن أن صواريخ بلاده قادرة على حرق نصف إسرائيل، مضيفاً لتلك التصريحات الكثير من العبارات الهجومية الرنانة، في محاولة واضحة لتشتيت الأنظار عن الكارثة الاقتصادية التي كان العراق يعاني منها وقتذاك، وفي عام 1990 فقد صدام حسين -على ما يبدو- بوصلته، وبدلاً من أن يتجه لإسرائيل توجه للكويت لاحتلالها!.
من المؤكد أن احتلال الكويت أسقط كافة أقنعة النظام العراقي التي طالما ادعت العداء لإسرائيل، وبطبيعة الحال لم تقف المملكة مكتوفة الأيدي أمام هذا العدوان، فتم على الفور تشكيل تحالف عربي بمشاركة بعض الدول الغربية؛ وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، لردع النظام العراقي السابق وتحرير الكويت، وأمام عجز النظام العراقي عن صد هجوم التحالف العسكري تفتق ذهن الرئيس العراقي الأسبق عن فكرة تَصوَّر أنها قد تفيده على الصعيدين السياسي والعسكري، فقام بقصف إسرائيل بعشرات الصواريخ، التي ألحقت بها بعض الخسائر، وقد هدف من ذلك توسيع نطاق الحرب، وأنه في حال رد إسرائيل العسكري المتوقع على العراق ستمر طائراتها الحربية لا محالة بالأجواء السورية أو الأردنية؛ وهو ما يعني بداهة تصدي سوريا والأردن لتلك الطائرات دفاعاً عن سيادتهما، وربما أفضى ذلك لتشكيل تحالف عسكري مناوئ.
غير أن الإدارة الأمريكية طالبت إسرائيل وقتها بعدم الرد، ووافقت الأخيرة على ذلك، مما فضح مزاعم الرئيس العراقي الأسبق، وكشف استغلاله الصريح للقضية الفلسطينية كورقة لحشد التعاطف الشعبي في العالم العربي، وهو الأمر الذي يتكرر الآن عقب هجمات الميليشيات الموالية لإيران (الحوثيين) على السفن العابرة في البحر الأحمر؛ الذي يبررونه بأنه نتيجة لارتكاب إسرائيل انتهاكات ممنهجة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، غير أن هدفهم الخفي هو توسيع نطاق الحرب، فهم يعلمون تماماً أن طائراتهم المسيرة لن تصل للعمق الإسرائيلي، وإن وصلت فهي غير مؤثرة، ورغم ذلك فهم مستمرون في هجومهم رغم تلقيهم ضربات موجعة من الولايات المتحدة وبريطانيا.
أثار مؤخراً التصعيد الذي سببه قيام إسرائيل بقصف القنصلية الإيرانية في دمشق -على نحو مخالف لكافة الأعراف الدبلوماسية- الكثير من القلق والترقب حول العالم، لكن ما أثار دهشتي تماماً هو طبيعة الرد الإيراني وحجمه، فالميليشيات الموالية لإيران في سوريا ولبنان قريبة تماماً من مسرح الأحداث، وبإمكانها الرد نيابة عن إيران وإصابة العمق الإسرائيلي بسهولة، لكن المثير للدهشة هو قرار إيران إطلاق مئات المسيرات وعشرات الصواريخ من داخلها، لتمر بالمجال الجوي للعديد من الدول كالعراق وسوريا والأردن فتجرها -آملة- لمستنقع الحرب، كما أن بطء المسيرات يتيح سرعة اصطيادها قبل الوصول لهدفها فتزداد خسائر إيران مما يبرر أكثر تدخلها العسكري.
عندما قامت الأردن بالتصدي لهذه المسيرات انتقدتها بعض الأقلام المشبوهة، غير أنه من المؤكد أن الأردن دولة ذات سيادة ولن تسمح باستخدام مجالها الجوي دون إذنها، وقد ادعت بعض الأقلام المأجورة كذلك بأن المسيرات الإيرانية عبرت الأجواء السعودية وأن المملكة قامت بإسقاطها، إلا أن المطلع على الخارطة الجغرافية للمنطقة يجد أنه من المستحيل أن تمر تلك الطائرات بالمجال الجوي السعودي، وحتى لو افترضنا أنها مرت به فمن المؤكد أن من حق المملكة ممارسة سيادتها الكاملة على مجاليها الجوي والأرضي، ولا شك لدينا في أن حل التوتر المتزايد في المنطقة يقع على عاتق الدول الغربية التي يجب أن تعمل لإيقاف نزيف الدم في غزة، فمن هناك تبدأ كرة اللهب، التي قد تكبر وتتعاظم ليتسع معها نطاق الحرب لمدى لا يعلمه إلا الله وحده.
لنعد لأربعة عقود ماضية، عندما أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن بضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981؛ الذي كان قيد الإنشاء، كان العراق وقتئذٍ منخرطاً في الحرب بشدة مع إيران، وكان من المتوقع تماماً قيام العراق بالرد على ذلك الهجوم ثأراً لتدمير المفاعل الذي كلفه مئات الملايين من الدولارات، غير أن الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين (المثير للدهشة) لم يأمر ولو بإطلاق رصاصة واحدة للرد على ذلك الهجوم، غير أنه عقب انتهاء الحرب مع إيران أعلن أن صواريخ بلاده قادرة على حرق نصف إسرائيل، مضيفاً لتلك التصريحات الكثير من العبارات الهجومية الرنانة، في محاولة واضحة لتشتيت الأنظار عن الكارثة الاقتصادية التي كان العراق يعاني منها وقتذاك، وفي عام 1990 فقد صدام حسين -على ما يبدو- بوصلته، وبدلاً من أن يتجه لإسرائيل توجه للكويت لاحتلالها!.
من المؤكد أن احتلال الكويت أسقط كافة أقنعة النظام العراقي التي طالما ادعت العداء لإسرائيل، وبطبيعة الحال لم تقف المملكة مكتوفة الأيدي أمام هذا العدوان، فتم على الفور تشكيل تحالف عربي بمشاركة بعض الدول الغربية؛ وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، لردع النظام العراقي السابق وتحرير الكويت، وأمام عجز النظام العراقي عن صد هجوم التحالف العسكري تفتق ذهن الرئيس العراقي الأسبق عن فكرة تَصوَّر أنها قد تفيده على الصعيدين السياسي والعسكري، فقام بقصف إسرائيل بعشرات الصواريخ، التي ألحقت بها بعض الخسائر، وقد هدف من ذلك توسيع نطاق الحرب، وأنه في حال رد إسرائيل العسكري المتوقع على العراق ستمر طائراتها الحربية لا محالة بالأجواء السورية أو الأردنية؛ وهو ما يعني بداهة تصدي سوريا والأردن لتلك الطائرات دفاعاً عن سيادتهما، وربما أفضى ذلك لتشكيل تحالف عسكري مناوئ.
غير أن الإدارة الأمريكية طالبت إسرائيل وقتها بعدم الرد، ووافقت الأخيرة على ذلك، مما فضح مزاعم الرئيس العراقي الأسبق، وكشف استغلاله الصريح للقضية الفلسطينية كورقة لحشد التعاطف الشعبي في العالم العربي، وهو الأمر الذي يتكرر الآن عقب هجمات الميليشيات الموالية لإيران (الحوثيين) على السفن العابرة في البحر الأحمر؛ الذي يبررونه بأنه نتيجة لارتكاب إسرائيل انتهاكات ممنهجة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، غير أن هدفهم الخفي هو توسيع نطاق الحرب، فهم يعلمون تماماً أن طائراتهم المسيرة لن تصل للعمق الإسرائيلي، وإن وصلت فهي غير مؤثرة، ورغم ذلك فهم مستمرون في هجومهم رغم تلقيهم ضربات موجعة من الولايات المتحدة وبريطانيا.
أثار مؤخراً التصعيد الذي سببه قيام إسرائيل بقصف القنصلية الإيرانية في دمشق -على نحو مخالف لكافة الأعراف الدبلوماسية- الكثير من القلق والترقب حول العالم، لكن ما أثار دهشتي تماماً هو طبيعة الرد الإيراني وحجمه، فالميليشيات الموالية لإيران في سوريا ولبنان قريبة تماماً من مسرح الأحداث، وبإمكانها الرد نيابة عن إيران وإصابة العمق الإسرائيلي بسهولة، لكن المثير للدهشة هو قرار إيران إطلاق مئات المسيرات وعشرات الصواريخ من داخلها، لتمر بالمجال الجوي للعديد من الدول كالعراق وسوريا والأردن فتجرها -آملة- لمستنقع الحرب، كما أن بطء المسيرات يتيح سرعة اصطيادها قبل الوصول لهدفها فتزداد خسائر إيران مما يبرر أكثر تدخلها العسكري.
عندما قامت الأردن بالتصدي لهذه المسيرات انتقدتها بعض الأقلام المشبوهة، غير أنه من المؤكد أن الأردن دولة ذات سيادة ولن تسمح باستخدام مجالها الجوي دون إذنها، وقد ادعت بعض الأقلام المأجورة كذلك بأن المسيرات الإيرانية عبرت الأجواء السعودية وأن المملكة قامت بإسقاطها، إلا أن المطلع على الخارطة الجغرافية للمنطقة يجد أنه من المستحيل أن تمر تلك الطائرات بالمجال الجوي السعودي، وحتى لو افترضنا أنها مرت به فمن المؤكد أن من حق المملكة ممارسة سيادتها الكاملة على مجاليها الجوي والأرضي، ولا شك لدينا في أن حل التوتر المتزايد في المنطقة يقع على عاتق الدول الغربية التي يجب أن تعمل لإيقاف نزيف الدم في غزة، فمن هناك تبدأ كرة اللهب، التي قد تكبر وتتعاظم ليتسع معها نطاق الحرب لمدى لا يعلمه إلا الله وحده.