بعد الهجمات المسرحية المتبادلة ما بين طهران وتل أبيب، عاد الصراع ما بين الطرفين إلى قواعده الأساسية قبل هجوم القنصلية، بحيث تكون هنالك حرب بالوكالة بالدماء العربية وعلى الأرض العربية؛ كما هو واقع في العراق وسورية ولبنان واليمن. ولعل الحرب في سورية هي الامتحان الحقيقي لقواعد الاشتباك التي حكمت العلاقة الإيرانية الإسرائيلية والتي سمحت لتل أبيب باستهداف القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها على الأرض السورية طوال السنوات الماضية، على الأقل منذ عام 2015. الوجود الإيراني في سورية لم يكن ليتم لولا الموافقة الإسرائيلية، لقد دخلت القوات الإيرانية، الحرس الثوري على وجه التحديد، والمليشيات التابعة له تحت أنظار وسمع الطيران الإسرائيلي فضلاً عن الطيران الأمريكي، ومع ذلك لم يحرك هذان الطرفان ساكناً، فقد وافقت إسرائيل وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية على الوجود الإيراني في سورية لدعم الرئيس السوري بشار الأسد، ولكن تل أبيب، وبنفس الوقت، لم تكن تريد تحويل سورية إلى قاعدة إيرانية تمثل تهديداً أمنياً وعسكرياً واستراتيجياً لها، لذلك أرادت التحكم بحجم وتمركز ومواقع القوات الإيرانية، وكلما أرادت طهران ترسيخ وجودها في سورية عبر بناء قواعد عسكرية تحاول إسرائيل إجهاض ذلك عبر القصف بالطيران أو بسلاح الصواريخ بعيدة المدى، وتجلى ذلك باستهداف مناطق متعددة منها منطقة التيفور ومحيط العاصمة السورية دمشق ومناطق في شرقي سورية، وفي كثيرٍ من الأحيان تتعرض بعض القواعد الإيرانية إلى قصف من قبل واشنطن وتل أبيب على حد سواء. التواجد الإيراني في سورية هو على مستويات ثلاثة إما وجود مباشر لقوات الحرس الثوري أو مليشيات تتبع إلى فيلق القدس وهي مليشيات حافظت على طابعها الأجنبي بحيث كان غالبيتها مليشيات عراقية أو أفغانية أو حتى باكستانية، أما المستوى الثالث فهو التواجد في الوحدات العسكرية التابعة للنظام السوري بحيث يصبح قائد فيلق القدس هو المايسترو الذي ينسق العمل ما بين هذه المستويات الثلاثة، والمعلومات القادمة من سورية تشير إلى أن هذه المنظومة العسكرية التي تم نسجها، خلال السنوات الماضية، تجد معارضة ضمنية حتى من قبل ضباط في الجيش السوري، ولكن هذه المنظومة جعلت من الصعب جداً تفكيكها لذلك حاول النظام السوري وقيادات عسكرية إيجاد توازن عبر تقوية التحالف مع روسيا. عمدت إيران وبالإضافة إلى هذه المستويات الثلاثة من التواجد العسكري إلى بناء دعم لوجستي يتمثل في مخازن للسلاح وكذلك مصانع لإنتاج الذخيرة، بل وحتى مصانع الطائرات المسيرة موجودة داخل سورية وكذلك الحفاظ على طريق الإمداد الذي يمتد من إيران إلى العراق وصولاً إلى سورية. وبسبب هذه التركيبة العسكرية فإن إيران لم تحرك ساكناً أمام الهجمات الإسرائيلية المتوالية باستثناء هذا الرد المسرحي الذي حدث خلال الأيام القليلة الماضية. يبدو أن إيران ترى بأن تحويل سورية إلى قاعدة لها أهم بكثير من أي رد يمكن أن توجهه لإسرائيل. المحاولات الإسرائيلية وتلك الأمريكية لمواجهة الوجود الإيراني في سورية تبدو ضعيفة ومتأخرة فمن المؤكد أن طهران قطعت شوطاً كبيراً في بناء قواعدها العسكرية في سورية لكي تزيد هذه الأطراف الثلاثة واشنطن وتل أبيب وطهران من عمق الأزمة السورية وتحول الأراضي السورية إلى ميدان صراع لتصفية الحساب بينها، بينما الهجمات المباشرة تتحول إلى ردود مسرحية جوفاء.