-A +A
عبده خال
أجدني ميالاً للعودة إلى ما قلته سابقاً، فمن قبل سنة مضت، قلت لسنوات طويلة ما زال النقاش سارياً حول كفاءة وعدم كفاءة الموظف السعودي، واستمع الجميع للنظريات كافة حول الموضوع والتي مفادها أن الموظف السعودي لا ينقصه أي شيء من ناحية القدرات الذهنية، وظلت المشكلة ثقافية ومرتبطة بثقافة العمل.

وأقولها بصراحة، أنا أقف حائراً حتى أمام هذه النقطة؛ إذ إن السنوات الأخيرة أظهرت أن السعوديين مستعدون للعمل في كل الوظائف من تقديم الوجبات في المطاعم والفنادق إلى العمل في ساعات طويلة ومرهقة في مراكز خدمات العملاء.


إذن، أين هي المشكلة؟ هل المشكلة في بيئة العمل وقلة الدافع الذي تولده، أم أنها في ثقافة العمل عند الموظف؟ وهل المشكلة في أرباب الأعمال أم في الموظفين؟ في حقيقة الأمر، أنا لا أستطيع إلقاء اللوم بالكامل على أرباب الأعمال؛ فالهدف الذي يحركهم واضح، وهو الحفاظ على الدخل والربحية، ولكن إذا كان هناك ما يمكن لومهم عليه هو أخذ تصور مطلق بأن الشباب السعودي ليس جاداً بما يكفي للعمل.

وقد أتفق معهم أن الشاب والشابة لا يوجد لديهم ولاء طويل الأجل عندما يتعلق الأمر بمكان العمل، ولكن في الوقت ذاته أرى أن بيئة الأعمال الخاصة لم تصمم على أساس توظيف المواطنين وتحمل تكاليفهم العالية.

ولو وضعنا أنفسنا مكان أي رب عمل، فقد نشعر بالإحباط عندما نعلم أن الشركات تأخذ المتخرج السعودي بلا مواهب ولا مؤهلات ولا مهارات ثم تستثمر الكثير فيه حتى يصبح جاهزاً للعمل وبعد فترة بسيطة يبدأ في البحث عن عمل آخر بمقابل أعلى.

ولأن أرباب العمل أجبروا على الموظف السعودي فإنهم لا يفكرون في الاستدامة ويريدون تحصيل كامل الربح والدخل لهم دون النظر للمسؤولية الاجتماعية عليهم. وللأسف، فإن المسؤولية الاجتماعية الحقيقية هي في توظيف وتدريب الشباب وليس في برامج مجتمعية مثل توزيع سلال رمضانية على الفقراء. إن توظيف الفقراء أولى من إعطاء شيك لمركز صحي وإصدار بيان صحافي عريض معه.

إن مشكلة تدريب وتأهيل شخص غير صالح للعمل ليست موجودة في الغرب؛ لأن الجامعات هناك تعلم الطالب كل القيم والمهارات اللازمة لسوق العمل؛ ولهذا لا تستثمر الشركات فيهم كثيراً خلال العامين الأول والثاني بقدر الاستثمار الذي يتطلبه المتخرج في المملكة. ولا يوجد في النظام ما يجبرهم على التوطين فكل عامل داخل حدود البلد يعتبر عاملاً وطنياً لا فرق بين مواطن وغير مواطن طالما تصريح العمل موجود.

ولأن وزارة الموارد البشرية ممثلة في صندوق تنمية الموارد البشرية (هدف) تحاول بشتى الطرق حل مشكلة فجوة المهارة أو (skill gap) فلا أستطيع أن ألومها، إلا أنها في الوقت ذاته تشدد على التأكد من عدم التلاعب في هذا البند من قِبل الشركات التي تنوي توظيف العامل السعودي.

بيد أن هناك نقاطاً لا يحلها الصندوق مثل تعليم اللغة الإنجليزية للمتخرجين قبل الانخراط في العمل؛ إذ يتكفل الصندوق بالتدريب فقط لمدة عامين وفي حالات محدودة 36 شهراً، وهذه لا تكفي لتعليم اللغة والمؤهل الفني المطلوب والذي يتحصل عليه رب العمل لو وظف عاملاً أجنبياً بالمرتب نفسه.

ومع هذا، فإن «هدف» نوعاً ما قدم حلولاً كثيرة ولا نستطيع لومه.

قد نلوم وزارة التعليم التي ما زالت غير قادرة على تأهيل المواطنين لسوق العمل، كما نستطيع لوم السعوديين على عدم وفائهم للجهة التي استثمرت ودرّبت وساعدتهم على الوقوف على أرجلهم. ونستطيع كذلك لوم أرباب الأعمال على عدم إيمانهم بالشباب أو على عدم توفير بيئة تنافسية، وكذلك ألوم أقسام الموارد البشرية التي أصبحت تتسابق لمساعدة الشباب على التنقل بين الأعمال.

انظروا إلى برنامج «لينكد إن» حتى تعرفوا كم من الشباب والشابات تنقلوا بين جهات كثيرة لم يكملوا عاماً واحداً فيها، لماذا؟ لأن كل هيئة وشركة حكومية جديدة تتسابق لملء الشواغر وبمبالغ لا أستطيع تخيلها شخصياً؛ ولهذا نرى موظفاً وموظفة خبرتهم في السوق 4 إلى 5 سنوات، ولكنهم يصبحان مديرين أو كبار أخصائيين في كل مجال، طالما عملوا في بعض الأسماء الكبيرة.

ولأن ملكية هذا الأمر بين جهات كثيرة ستبقى المشكلة قائمة. أحد الحلول قد يكون في تحرير سوق العمل وجعل الجامعات والمعاهد أفضل بكثير ويكون مؤشر أداء الجميع عدد الوظائف ونسبة التسرب.

والآن ليست القضية في التسرب، المشكلة الرئيسة أن هناك شباباً كثراً يحملون المؤهلات وعاطلين، السؤال للموارد البشرية: أليس لديكم علم بهذه الأعداد المنتظرة لعمل يقيها هذه العطلة، ويمحو عنها ملل البحث عن وظيفة؟