-A +A
أسامة يماني
وصلتني رسالة من الأديب والكاتب القدير الأستاذ الشريف فؤاد عنقاوي ذكر فيها أنه «عاكف ومنذ شهور على كتابة وتتبّع (للفكر والعقل العربي) في سِفرٍ يحمل اسم (الأعراب) لأمر ما، ولاختلاف وجهات النظر بين المؤرخين والباحثين توقفت عند التحدث عن الحركة الثقافية في عهد الإمبراطورية العثمانية عامة، التي حكمت الشرق والجزيرة العربية زهاء ثمانية قرون..

تمحور السؤال حول:


هل أضرّ العهد العثماني بالفكر وجمّد العقل العربي؟؟؟

أقدر مساهمتكم وإبداء وجهة نظركم من خلال مخزونكم الثقافي وقراءاتكم التاريخية ...»، وتشرفت بالرد على سيادته بالتالي:

إن اختلاف وجهة نظر المؤرخين والباحثين في الأضرار التي لحقت بالفكر العربي وجمود العقل فترة العهد العثماني، يعود هذا الخلاف في أغلب الأحيان لأسباب سياسية وحزبية وعقائدية.. الإخوان المسلمين هم إحدى هذه الفرق التي تمجّد العهد العثماني على عجره وبجره.

الناظر في التاريخ الإسلامي يجد قيام عدة دول تركية الأصل والعرق أشهرها الدول الطولونية والسلجوقية والزنكية والمملوكية الأولى وأخيراً العثمانية، وهذه الأخيرة هي أوسع تلك الدول مساحة، وأطولها عمراً، وفي ذات الوقت أقلها حضارياً!. والسبب واضح حيث إن مؤسس الدولة الطولونية نشأ في كنف الثقافة العباسية وتشرَّب منها، فقد كان التركي الذي يُجلب صغيراً إلى بلاط العباسيين يلقى التنشئة والتهذيب في عاصمة الحضارة والثقافة الإسلامية؛ بغداد آنذاك. السلاجقة اختلطوا مع الرافد الحضاري للعنصر الفارسي المسلم الذي كان يجاهد بقوة لإثبات نفسه ومنافسة الرافد العربي؛ بمعنى آخر لقد عاش السلاجقة والمملوكية الأولى في أحضان حضارة عريقة كالقاهرة وبغداد.

الباحث المدقق في التاريخ يجد أن العثمانيين لم يعيشوا في كنف المدن ذات الحضارة العريقة، ولم يحاولوا أن ينتقلوا من مرحلة أو طور الدولة العسكرية إلى طور الدولة التي ترعى بشكل واضح الفنون والثقافة والعلوم. لقد قام العثمانيون بإحضار العمالة المهرة في كل صنف لبلادهم لينعموا بالرفاهية والفخامة. وقد ساهمت العصبية التركية والنظرة الفوقية والغيرة من الرافد العربي في تعطيل عملية الاندماج الحضاري. ومن الناحية الموضوعية لم يًعرف عن الدولة العثمانية أي إنجازات علمية وفكرية متقدمة، وكان الفكر الذي يطغى عليها فكراً يهتم بالجانب الحربي وإنشاء الثكنات والحصون العسكرية التي يمكن مشاهدتها في مشارق ومغارب الوطن العربي.

أما أهم الأسباب التي أدت إلى الإضرار بالفكر وجمود العقل العربي في عهد الدولة العثمانية:

١- العزلة العالمية على البلاد العربية: فرضت الدولة العثمانية هذه العزلة بحجة الحماية من الاستعمار الغربي الصليبي. وساهم الشعور العربي الناتج من تجربة الحروب الصليبية في زيادة أثر العزلة على المجتمعات العربية التي كان لديها شبه اكتفاءً ذاتياً.

٢- رغم أن الثقافة العثمانية مرت بثلاث مراحل القديمة والكلاسيكية (المتوسطة) والعثمانية الجديدة، غير أن الجمود الفكري ظل ملازماً للعالم العربي في كل المراحل، وامتداداً لهذا الوضع أصدر السلطان بايزيد الثاني قراراً في عام 1493، حرّم فيه استعمال الطباعة، على رعايا الدولة العثمانية؛ التي لم تهتم أصلا بالتعليم في العالم العربي أو الإنفاق عليه.

٣- التعليم والدراسة والمدارس المحدودة التي أسسها العثمانيون كانت شبه محتكرة على الأتراك ويلتحق بها أبناء الموظفين ومن جرى في فلكهم، وتهدف هذه المدارس إلى تتريك من يلتحق بها من العرب. ولا شك أن الأوضاع السياسية والاقتصادية ساهمت في تعزيز انتشار الجهل والخرافات.

٤- الدولة العثمانية لم تدخل إلى البلدان العربية بطلب منها وإنما بالقوة العسكرية والحصار والقهر والسلطان، وفرضت سيادتها وسيطرتها، وولت عليها ولاة أتراكاً، هيمنوا على مقدراتها واستغلوا مواردها الاقتصادية دون أن تنفق عليها.

في ظل الجهل والفقر والمرض الذي كان سمة عهد الدولة العثمانية.. النتيجة الحتمية أن يسود التخلف والجمود.