من المتفق عليه أن الكيان الذي يتمتع بأقوى موقع في الرأي العام الغربي والعالمي بشكل لا يضاهى لدرجة أن هناك قوانين في غالب الدول الغربية تعاقب من يتلفظ بكلمة ضده هو كيان اللوبي الصهيوني، فاللوبي الصهيوني بكل مؤسساته المختصة بجماعات الضغط السياسي والدعاية الموجهة والعلاقات العامة كان مسيطراً بشكل كامل على الرأي العام الغربي والعالمي، وهذا كان جزءاً أساسياً من المشكلة واستعصاء التوصل لاتفاقيات منصفة للفلسطينيين، لكن الانقلاب الجذري الذي حصل في الرأي العام الغربي لصالح الفلسطينيين وبلغ ذروته في ثورة طلاب الجامعات الغربية ومظاهرات غير مسبوقة في الدول الغربية مؤيدة للحقوق الفلسطينية أثبت أن زمن نفوذ مؤسسات العلاقات العامة والدعاية الموجهة وجماعات الضغط قد انتهى إلى غير رجعة؛ لأنه عبر مواقع التواصل الاجتماعي بات يمكن للناس من أنحاء العالم الحصول على المعلومات والأخبار من أهلها بدون فلاتر الإعلام والصحافة التي يهيمن عليها قالب النفوذ الصهيوني بشكل كامل، وفشل إسرائيل في تحويل الرأي العام لصالحها رغم حجة عملية 7 أكتوبر دليل على أنه ما عادت هناك جدوى من توظيف شركات العلاقات العامة والدعاية الموجهة لتزييف الحقائق وقولبة الرأي العام في القالب المنحاز، وهذا الحال الجديد هو جزء من الحل؛ لأنه يمنح الفلسطينيين ورقة ضغط على الجانب الإسرائيلي، ولذا عاجلاً أم آجلاً ستفلس شركات العلاقات العامة لأن دورها كان قائماً على نشر تصورات طوباوية عن العميل لا تمّت بصلة إلى أرض الواقع، وكان يمكنها النجاح في إقناع الجمهور بالصورة الطوباوية لأنه لم يكن لدى الجمهور وسيلة معرفة خارج قنوات الصحافة والإعلام التقليدي الذي تتحكم به مؤسسات العلاقات العامة بخاصة اللوبي الصهيوني، لكن مع ثورة الإنترنت ومواقع التواصل بات لدى كل فرد مصادر غير محدودة للمعلومات من أهلها بدون فلاتر الإعلام والصحافة وشركات العلاقات العامة، والجميع بات يعرف الفارق بين مواد الدعاية الموجهة والعلاقات العامة وبين أخبار الواقع التي يمكن استقاؤها من أهلها مباشرة عبر مواقع التواصل، ولذا إسرائيل ما عاد يمكنها أن تسترجع مكانتها التقليدية في الرأي العام الغربي حتى تحسن معاملتها وسياساتها مع الفلسطينيين وهذا يتطلب أن تسمح لهم بإقامة دولة مستقلة بلا مستوطنات إسرائيلية وبلا سيطرة أمنية إسرائيلية تبقيهم حرفياً في أقفاص أمنية أو تحت حصار اقتصادي خانق، بالإضافة للتدمير الدوري للمدن الفلسطينية يتضمن اقتراف مجازر جماعية مروعة، فحتى سيطرت اللوبي الصهيوني على ميول المرشحين عبر تبرعاته السخية لحملاتهم الانتخابية ما عاد يحدث أدنى تأثير في الرأي العام الذي بالنهاية سيضطر المرشحون لاسترضائه بدل إرضاء المتبرعين لأنهم من سيصوتون لانتخاب المرشحين، وإسرائيل أدركت أنها خسرت معركة شركات العلاقات العامة والدعاية الموجهة وجماعات الضغط السياسي، فقامت باستقطاب مشاهير مواقع التواصل وأخذتهم بجولة في مواقع عملية 7 أكتوبر والقلة الذين تجاوبوا خسروا جمهورهم الأكبر وشملتهم المقاطعة المنظمة ضد كل كيان يجاهر بدعم إسرائيل، فحتى عبر مواقع التواصل ما عادت تنجح أساليب الدعاية الموجهة، والمتابعون أذكياء ويفرقون بين الدعاية الموجهة وبين التوجهات الأصيلة، وهذا التطور في الوعي العام ووسائله في النهاية هو في صالح الجميع؛ لأن الحقيقة هي وحدها التي تجعل الأمور أفضل للجميع، فإسرائيل صارت أسوأ في اقتراف جرائم الحرب لأنه كان يمكنها تزييف الحقائق عبر قالب الدعاية الموجهة، بينما كشف الحقيقة عن سلوكها المدان دولياً سيجعل سلوكها أفضل، فلا أحد يصبح أفضل بتزوير الحقائق، وتزييف الحقائق دائماً يصبح جزءاً من المشكلة، بينما كشف الحقائق هو دائماً وأبداً جزءاً من الحل.