-A +A
أسامة يماني
استكمالاً لما كتبت في مقال سابق بعنوان (خطر الوجود الغربي)، تطرقت فيه لخطر السياسات الاستعمارية وآثارها المدمرة على كل الأصعدة. وقد تلقيت العديد من التعليقات التي أشكر كل من تكرّم وشاركني رأيه وملاحظاته، التي أسعدتني. ومنها -على سبيل المثال- مشاركة صديقي وأخي البروفيسور صدقة فاضل الذي أقترح أن يكون العنوان القادم للمقال «سياسة الغرب الاستعماري تجاه المنطقة».

كما علق الأديب الأستاذ حسان كمال بالتالي «طالما أن للموضوع بقية فأهم ما يواجه المنطقة عداوات أهلها وتشعرهم إلى ملل ونحل وتناحرهم فيما بينهم دون إدراك أو بإدراك العدو الخارجي؛ بل أحياناً وأحايين كثيرة الاستعانة بالعدو على الأخ؛ أخاك أخاك فإن من لا أخ له


كساع إلى الهيجاء بغير سلاح».

الواقع أن التناحر بين الإخوة هو نتاج من نتائج السياسات الاستعمارية في المنطقة إلى تطبيق المصطلح السياسي العسكري الاقتصادي فرق «تسد المصطلح» اللاتيني الأصل، «ويقصد به تفريق قوى الخصم إلى أشتات ليصبح أقل قوة مما يسهل التعامل معه والقضاء عليه أو -على الأقل- تحييده».

المقال السابق تطرق إلى أهمية وضع حل لإنهاء التواجد العسكري الغربي في المنطقة؛ لأن أي دراسة عن تجربة وجود قوات عسكرية غربية في مختلف مناطق العالم سوف تظهر الأثر السيئ ومدى التدهور والضرر الذي يصيب هذه البلدان التي تتواجد فيها قوات غربية. ففي اليابان مثلاً يعاني سكان أوكيناوا وأنصارهم من القواعد العسكرية الأمريكية، فضلاً عن أن الوجود العسكري الأمريكي أفقد اليابان القدرة على أخذ القرار الأفضل للتعايش السلمي مع جيرانها. ورأينا كيف ألمانيا أضرت باقتصادياتها ومصالحها في سبيل رغبة واشنطن القضاء على روسيا. إن الإمبريالية تفرط في مصالح حلفائها في سبيل مصالحها المالية والاقتصادية، وذلك ما كشفته الحرب الأوكرانية. أما الوجود العسكري في أفريقيا فضرره لا حصر له. تشير مجلة «فورين بوليسي»، على الرغم من كون القواعد العسكرية في الخارج هي واحدة من أكثر المبادئ التقليدية الراسخة لإستراتيجية الأمن القومي الأمريكي، إلا أن القواعد جرّت أمريكا إلى صراعات متهورة، الأمر الذي يغري صنّاع السياسة بالقيام بردود عسكرية غير متوقعة بديلاً عن ردود فعل دبلوماسية، واستفزاز الأعداء بديلاً عن ردعهم.

لهذا أقترح تكليف الجامعات الوطنية ومراكز الدراسات لدراسة الآثار المدمرة للتواجد العسكري في العالم بشكل موسع ليكون معيناً في اتخاذ القرارات.

النظام التعليمي

كان النظام التعليمي الياباني قبل الاحتلال الأمريكي يقوم على القومية مع إطار نظري يعتمد على المجتمع المتخيل مستمدة من نظرية القومية التي طورها بنديكت أندرسون، والتي تشير إلى أن القومية تعزز الشعور بالمجتمع، حيث ينظر الناس إلى أنفسهم كجزء من كل جماعي. وقد غيرت عوامل مثل الاحتلال الأمريكي والتجريد من السلاح والوجود العسكري بشكل كبير الدور الذي لعبته القومية في التعليم. وعلى إثرها تم تكييف المدونات والمواد التعليمية لتتماشى مع الأهداف الأقل قومية، ويرجع ذلك جزئياً إلى محاولات إضفاء الطابع الديمقراطي على الولايات المتحدة.

ضربنا مثال اليابان لتوضح الآثار الخطيرة للسياسات الاستعمارية.

في المنطقة العربية حل الاستعمار الغربي محل الاستعمار العثماني واستفاد من تخلف النظام التعليمي السائد في المنطقة المعتمد منذ أربعة قرون في العصر. ومن الملاحظ أن الاستعمار الغربي حرص على علاقته الودية طوال فترته الاستعمارية مع المؤسسات والمراكز العلمية والمساجد سواء بالتهديد أو التضييق وخلافه. المشكلة التي يواجهها الباحث عدم وجود مراجع كافية وموثوقة تتعلق بالعلاقات الاستعمارية مع رجال الدين والمؤسسات الدينية.

الواقع إن المنظومة التعليمية التي ما زالت قائمة في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي لا يمكن لها بشكلها الحالي أن تقود إلى مجتمعات قوية متماسكة ودول متقاربة واقتصاد معرفي تنافسي قادر على توطين صناعة السلاح والزراعة.

منطقتنا يجب أن تقف أمام ثالوث الشر المتمثل في الإمبريالية والرأسمالية المتوحشة والصهيونية لكي تسترد أمجادها، وتعمل على التقارب والتعاون في ما بينها ولن يكون ذلك ممكناً في ظل الوجود العسكري في المنطقة، حيث سيظل العائق الرئيسي نحو مجتمعات قوية متماسكة ذات اقتصاد معرفي تنافسي يملك صناعة سلاحه ودوائه وطعامه.