شهدت العاصمة البلجيكية بروكسل مؤتمر «دعم مستقبل سوريا والمنطقة»، والذي تناول الوضع في سوريا ودعم السوريين في الداخل والخارج والذي كان ديدن المؤتمر على امتداد دوراته السابقة، ولكن الحقيقة المُرة أن قطار الحل السياسي لم ينطلق من محطته الأولى فضلاً عن الوصول إلى نتائج يمكن أن تؤدي إلى وضع حد للمأساة السورية، ويعيد هذا البلد إلى خارطة المنطقة، فضلاً عن الخارطة الدولية، وينزع فتيل أزمات متعددة ومنها أزمة اللجوء السوري. لقد أصبحت الدعوة إلى تنفيذ القرار 2254 لازمة ضرورية في كل المنتديات والمؤتمرات التي تعنى بالشأن السوري، حتى باتت تلك اللازمة تذّكر بلازمة الدعوة إلى حل الدولتين فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكن من دون العمل الجاد للوصول إلى تنفيذ ذلك القرار، وخصوصاً تشكيل هيئة حكم انتقالي كما ينص القرار وتهيئة الظروف لعودة آمنة للاجئين السوريين. من الواضح أن انعقاد مؤتمر آستانة والقرارات التي خرجت عنه قبل عدة سنوات والتي كرّست تقسيم سوريا على أساس مناطق نفوذ لأطراف إقليمية ودولية فكل طرف سعى أن يأخذ نصيبه من الكعكة السورية، على حساب الدولة والشعب في هذا البلد، فأصبح هذا التقسيم على امتداد السنوات التي خلت واقعاً لا بد من التعامل معه لمحاولة الوقوف إلى جانب الشعب السوري وتقليل الخسائر التي تمس كيان الدولة السورية وكذا مجابهة الأخطار التي أنتجتها حالة الفوضى وسيولة الدولة، فكان قرار الجامعة العربية بإعادة مقعد سوريا وإعادة التواصل مع الحكومة السورية، ولكن الدول العربية جعلت ذلك في إطار خطة أشمل تضع نقطة البداية لمحاولة الخروج من هذه الأزمة، بيد أن الأطراف الإقليمية والدولية الموجودة على الساحة السورية لم تلاقِ المبادرة العربية في منتصف الطريق وبالتالي المفاوضات السياسية بين المعارضة والحكومة لم تتقدم قيد أنملة ولم تتضافر الجهود من أجل الحد من مخاطر إنتاج وتهريب المخدرات وبقيت سوريا مرتعاً لمليشيات وجماعات وتنظيمات أصبحت عبئاً على الدولة السورية، حتى تلك التي تدعي أنها موجودة لحمايتها، فضلاً عن الجماعات الأخرى التي حولت سوريا إلى كانتونات وأمراء حرب على امتداد الخارطة السورية. ولعل الغريب هو الموقف الأمريكي الذي يمتلك الكثير من الأوراق على الساحة السورية فهو من جهة يعارض عودة سورية إلى الجامعة العربية مرة أخرى وفي نفس الوقت لا يفعل الكثير من أجل إخراج سوريا من المأزق الذي تعيشه ولا يدفع من أجل تطبيق فعلي للقرار الأممي 2254 وبالتالي وضع سوريا في زاوية لا تؤدي سوى إلى مزيد من التشظي والبؤس الاقتصادي والفقر المدقع الذي يقترب من المجاعة. وما زاد الطين بلة الحرب في أوكرانيا وكذلك الصراع في قطاع غزة مما جعل الأزمة السورية تتوارى إلى الخلف وتصبح في ذيل الاهتمامات الدولية. إن الآثار المترتبة على الصراع في سوريا لا يمكن معالجتها أو الوقوف في وجهها، بل بالعكس سوف تتفاقم هذه الآثار طالما أن الوضع السياسي والاقتصادي بقي على حاله. العمل الجاد لمعالجة أزمة اللجوء والأزمة الاقتصادية التي يعانيها المواطن السوري في الداخل لا يمكن أن يتم إلا بحل سياسي طال انتظاره.