-A +A
ريهام زامكه
أتذكر دخلنا الروضة وتخرجنا منها، ثم دخلنا المرحلة الابتدائية وتخرجنا منها، ودخلنا المرحلة الإعدادية وتخرجنا منها، ودخلنا المرحلة الثانوية وتخرجنا منها، ودخلنا بعدها الجامعة وتخرجنا منها، وبعد ذلك أقاموا لنا حفل تخرج كبير و-صلى الله وبارك- احتفلنا بنجاحنا بسعادة عارمة بعد حصولنا على درجة البكالوريوس استعداداً لبداية مرحلة جديدة في حياتنا.

لكن هذه الأيام منتشرة موضة أو (تقليعة) جديدة (هابيّن) فيها الناس، وهي موضة حفلات التخرج للصغار والكبار، لدرجة أنها تحوّلت من ذكريات جميلة إلى تجارة وديكورات و(هياط) والضحية في الأخير هو ولي الأمر!


فهل يعقل أن يُقام حفل تخرج لطفل صغير تخرج من الروضة للابتدائي؟ أو من الابتدائي للإعدادي؟ بالله أين الإنجاز في ذلك؟ وماذا فعل الطفل لكل هذه (البهرجة) والمصاريف والتكاليف؟!

أعتقد لا فائدة مرجوة من ذلك الفعل، ويمكن أن يُكتفى بعشاء عائلي وهدايا للأطفال بمناسبة نجاحهم كنوع من التحفيز، ولا يمنع أن يتخلل هذا الحفل الأُسري أغنية النجاح الشهيرة للعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ:

(وحياة قلبي وأفراحووو، وهناه في مساه وصباحو، مالقيت فرحان في الدنيا زي الفرحان بنجاحووو).

«وهذا وجهي إذا فهموها أصلاً».

أما مسألة إقامة الحفلات الباذخة من قِبل إدارات المدارس، واستئجار قاعات للاحتفال بأطفال، وصرف مصاريف غير مجدية أرى أنها تُثقل كاهل الآباء والأهالي، دون أي فائده تُذكر، بل على العكس سوف يعتاد الطفل على أن يُحتفل به بمناسبة أو بدون.

لأن المبالغة في الاحتفاء والاحتفال بالأطفال تخلق منهم جيلاً هشاً، فارغاً، تافهاً، ينتظر الواحد منهم أن (يصفق) له الجميع لأي شيء يفعله ويقدمه ويكون عادياً جداً وغير مهم على الإطلاق.

كذلك إذا كانت إحدى الأمهات (عقلها خفيف) صدقوني سوف (تتبلش) زوجها لا محالة بمجرد سماعها أن (فُلانة) قد أقامت حفل تخرج لابنتها المتفوقة التي تخرجت من الابتدائية، وحينها سوف تقول له:

«والله بنت فلانة ماهي أحسن من بنتي»، ولن يأكل على دماغه سوى الأب الغلبان.

علموا أبناءكم معنى الفرح الحقيقي ولا تزيفوه بمجرد ديكورات خارجية وبالونات وبهرجة، دعوهم يشعرون فعلاً بقيمة تعبهم وإنجازاتهم وسهرهم الليالي حينما يكبرون، لأن المبالغة بالاحتفال بهم قد خلقت جيلاً يبحث فقط عن الترفيه!

كلي أمل أن يلتفت معالي وزير التعليم لهذه الظاهرة الغريبة والتي تفشت (كالفايروس) فجأة في مجتمعنا ولم نكن نسمع عنها، وأن لا يسمح لها أن تتمدد أكثر من اللازم، لأن لا فائدة تُرجى منها لما فيها من تبذير واستعراض وتكاليف غير مُجدية على أكتاف أولياء الأمور.

وبناءً عليه؛ ومن باب (مع الخيل يا شقرا) قررت أن أحتفل بأثر رجعي عن كل سنوات عمري التي مضت ولم يعملوا لي فيها حفل تخرج، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

وبالمناسبة؛ (كلكم معزومين) ومصاريف الحفل مؤكد سوف تتكفل بها صحيفتي الموقرة، يا خوفي بس لا يكون حفل تخرجي منها هيّ.