-A +A
محمد مفتي
تتصدَّر يومياً وقائع انتهاكات الجيش الإسرائيلي وحربه ضد سكان قطاع غزة والضفة الغربية من المدنيين، غالبية منصات الأخبار سواء العربية وغير العربية، التي تنقل الكثير من المشاهد المؤلمة التي باتت تتكرر يوماً بعد يوم وكأنها أصبحت أمراً مألوفاً، فمهما تنوعت الأخبار فهي لا تصب إلا في خانة واحدة تُدمي القلوب، فتلك الحرب المستعرة تُسقط يومياً عشرات بل وربما مئات من القتلى من المدنيين الأبرياء، وذلك مهما اختلفت التكتيكات العسكرية الإسرائيلية سواء تلك التي يتم استخدامها في رفح بقطاع غزة أو خارجه.

لا يبدو في الأفق بوادر لانتهاء هذه الحرب الهوجاء برغم تنديد معظم المنظمات الأممية بالهمجية العسكرية الإسرائيلية التي لا تفرق بين عسكري ومدني، فإسرائيل تعتبر كل فلسطيني إرهابياً، وهي تنتهج سياسة لا تفرق بين رجل أو امراة أو بين طفل ومسن، وتهدف إسرائيل لتحويل غزة لأراضٍ غير صالحة للسكن أو الإقامة أو حتى للعيش فيها من خلال تدميرها لكافة مرافق الحياة من مبانٍ سكنية وأراضٍ زراعية ومقار حكومية، فما يحدث الآن هو حرب شاملة من منظورها تأمل من خلاله من إبقاء كل من تمكن من البقاء على قيد الحياة من الفلسطينيين أسير الإعاقة أو الأمراض المزمنة.


من المؤكد أن ما يقوم به الجيش الإسرائيلي هو حرب عصابات إجرامية بدون أدنى شك، والقارئ للتاريخ يدرك جيداً أن حرب العصابات جزء لا يتجزأ من تكوين الجيش الإسرائيلي فهو يؤمن بها كوسيلة أساسية لتحقيق أهدافه، وكل جنرال إسرائيلي يحلم بأن يسطر له التاريخ العسكري قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين لأنهم -من منظورهم- هم العقبة التي تحول دون تحقيق حلم التوسع الإسرائيلي، ويحدثنا التاريخ أنه بمجرد أن وضع جنرالات إسرائيل السابقين أقدامهم داخل أراضي الضفة الغربية والجولان بعد حرب 67 رأى بعضهم بأن ما حدث لم يكن سوى البداية فقط، وأنهم سيتركون هذا الإرث للأجيال القادمة لتستكمل ما بدأوه، ومن المؤكد أن هذه التصريحات وغيرها تفسر رفض كافة الحكومات الإسرائيلية -منذ نشأتها وحتى يومنا هذا- في السلام.

عندما أصاب بالغثيان بعد متابعة تلك الأخبار الدامية تجتاحني رغبة قوية في متابعة أخبار أخرى، غير أن متابعة الأخبار العربية تصيبني بنفس الغثيان وربما أكثر، لأجد نفسي في نهاية الأمر أشد ألماً وحزناً، فبعض الدول العربية الآن تمزقها الصراعات والحروب الأهلية الدامية، وهذه الحروب هي للأسف نتاج صراعات بين قوى وميليشيات لأبناء شعب واحد، وهي حروب طاحنة دموية خلفت وراءها مئات بل آلاف القتلى، دمرت كامل البنى التحتية والمرافق وتسببت -بطبيعة الحال- في استنزاف موارد وخيرات البلد وأدخلت شعبها في حلقة مفرغة من الفقر والجوع والمرض، وهو ما دفع مواطني تلك الدول من ميسوري الحال للنزوح القسري والهجرة الجماعية واللجوء لدول أخرى.

ما يُدمي القلب فعلاً هو أن تلك الصراعات سواء تلك التي تدور رحاها في غزة والضفة أو تلك التي تجتاح بعض الدول العربية تبدو وكأنها بلا نهاية، فبعض الأطراف ترغب في أن تستمر هذه الصراعات لفترة أطول بقدر الإمكان، ومن المسلم به أن الحروب الأهلية في بعض الدول العربية قد تغذيها أطراف خارجية تسعى لإضعاف الدور العربي في منطقة الشرق الأوسط، وللأسف فإن هذا الضعف يصب في صالح إسرائيل التي وجدت مبتغاها في توسيع نطاق وعمق الانقسام العربي، لأنه يسهم بشكل مباشر وغير مباشر في تحقيق خططها التوسعية في المنطقة.

إضافة إلى ذلك فإن المتتبع للصراع الدائر في غزة الآن يستطيع بسهولة استنتاج وجود أطراف بعينها تسعى لجر الدول العربية المستقرة لمستنقع الصراع، ولا شك أن دائرة الحرب لو اتسعت فستلتهم في طريقها الأخضر واليابس معاً، والوضع غير المستقر يفيد تلك الأطراف ويصب في خدمة مصلحتها، فالحروب الأهلية تخلف وراءها الآلاف من القتلى والجرحى وتُسهم بشكل مباشر في نشر الفقر والأمراض، وهي نتائج تفوق ما يمكن أن تحققه الآلة العسكرية نفسها، فإضعاف الدول القوية والمستقرة في المنطقة من شأنه ترك الباب واسعاً لدخول رياح الشر التي تسابق الزمن لنشر بذور الفتنة.