خرج من المملكة العربية السعودية أحد أبرز علماء الاجتماع والأنتروبولوجيا، وهو الدكتور سعد الصويان، الذي له أثر كبير في الإضاءة التوضيحية على جوانب ضائعة من الإرث النبطي والنجدي ليحفظ تاريخاً كاد أن يندثر. وأهم ما في أعمال الصويان بما يعنينا هنا، هو قدرته على نقض نظرية أب علم الاجتماع السياسي ابن خلدون حول نظرية الحضر والبداوة. مسقطاً التعميم الذي كان سائداً تجاه الجزيرة العربية تاريخياً والتي وسمت بالبداوة. المنطق نفسه في التعميم الذي استند إليه ابن خلدون في مقارباته تجاه الجزيرة العربية والبداوة، تقابله سردية أخرى حول ارتباط حقبة الجزيرة العربية، أو نجد والحجاز ما قبل الإسلام باعتبارها جاهلية. علماً أنه ببساطة لم يكن ما قبل الإسلام هو عصر جاهلي، ففي قلب السعودية جغرافياً وأركيولوجياً، هناك مخزون حضاري بقي مكتوماً لقرون، ومخزون من الآثار لم يتعرّف عليه أحد حتى الآن، لا سيما أن ما يطلق عليه البعض اسم الجاهلية فهو لا يسمى بالجاهلية، بل هو عبارة عن حضارات متناسلة كان الإسلام جزءاً منها أو نشأ من خلالها.
في هذا السياق، تعيش السعودية ثورة ثقافية من خلال إعادة الإضاءة على أمجاد وضعت في ظلمة التاريخ وظلامه، ما ألحق المظالم بالإرث والمجتمع. الثورة القائمة حالياً تدفع إلى رفع الظلم عن هذا الإرث، وإعادة تعريف السعوديين والعرب وأربعة أركان الأرض على ما تكتنزه تلك الدولة. ومن الواضح أن مثل هذا المشروع الضخم يركز على أكثر من بعد، ثقافياً، جغرافياً، عمرانياً، وفي إطار استعادة التاريخ المطموس. جزء من هذا المشروع هو ما أعلنت عنه وزارة الثقافة السعودية وهو «التوثيق المكاني» للمواقع التي عاش فيها الشعراء العرب على أراضيها، وارتبطوا بها عبر التاريخ، بهدف توثيقها وتسهيل الوصول إليها، من خلال لوحات إرشادية وتعريفية، تربط بين هذه المواقع التراثية وشعراء عصر ما قبل الإسلام، بملاحمهم وقصائدهم ومُعلّقاتهم الشهيرة.
وذلك ما أشار إليه المتحدث الرسمي لوزارة الثقافة السعودية أن أرض الجزيرة العربية -التي تمثلها السعودية اليوم- تعد مهداً للشعراء العرب الذين أثروا الساحة الشعرية بقصائد ظلّت حاضرة مع تعاقب الزمن؛ لذلك جاءت هذه المبادرة الثقافية لتوثّق الرابط التاريخي بين شعراء العرب الأوائل والمواقع الجغرافية المرتبطة بهم في السعودية، وتفعيلها بما يُثري الحراك الثقافي والتراثي والسياحي للمملكة.
يأتي هذا المشروع كجزء من استكمال الثورة الثقافية، والتي تعززت أيضاً في محافظة العلا وإعادة إحيائها من جديد بما تكتنزه من نقوش ورسومات وتشكيلات قديمة تعود إلى آلاف السنين، سطرها المسافرون الذين عبروا فيها وهو ما يمثل تبادلاً ثقافياً متنوعاً. تمثل العلا ومدائن صالح متحفاً مفتوحاً. والأمر نفسه ينطبق على الدرعية ومشروع تطويرها بالإضافة إلى امتداد جغرافي واسع على كل مساحة السعودية في عسير، ونجران وأبها وغيرها من المناطق التي تضم في حناياها تواريخ غير ظاهرة وغير محكية.
أهمية هذه الثورة هي العودة إلى التاريخ للإبحار نحو المستقبل، في إطار حلم وطموح بتجديد بناء الدولة السعودية على أسس تتجاوز مسألة العصبية القبلية أو الدينية إلى خلق مفهوم الدولة الوطنية المرتكزة على إرث حضاري وتاريخي يشكّل عنصراً مشتركاً لدى كل مواطنيها، فلا تعود غلبة قبيلة هي العنصر المتحكم في مسارات الحكم على حساب القبائل الأخرى مثلاً، ولا يتكرر في هذا المجال سياق تاريخي من الصراعات في الجزيرة العربية، إنما يصبح الصراع هو في تحدي البقاء والاستمرار للعصبية السعودية. والأهم من ذلك أن تلك الثورة لا تبقي السعودية ولا السعوديين في حالة تطلع إلى الماضي وجعله صنماً من الأصنام التي كانت تُعبد، إنما مشروع يرتكز على المخزون التاريخي والثقافي للتأسيس عليه في سبيل الانطلاق نحو المستقبل.
تخرج السعودية في رؤية الأمير محمد بن سلمان من المسألة العائلية نحو الذهاب باتجاه بناء دولة ترتكز على مقومات فعلية لإنشاء الدولة ومشروعها المستقبلي. وهو ما يقوم على إعادة صناعة كاملة للتاريخ الذي كان مدفوناً. ونفض الغبار عن الآثار بالتشديد على وجود هذا الإرث من خلال الاحتفال بالكتابات القديمة، والأحفوريات، وإظهار ما خبأه الزمن لإظهار حضارة سعودية قادرة على صناعة أسطرة جديدة لصناعة المواطنية، والرؤية الأبعد في الرؤية هي إعطاء رصيد للإسلام حول التسامح واحتفائه بالحضارات التي سلفته والحضارات الأخرى التي تزامنت معه، كل ذلك هو جزء من تثبيت أركان الدولة السعودية، وإعادة إنتاج أيديولوجية الوطنية السعودية، والتي لم تخضع في تاريخها إلى استعمارات، بل كانت على تماس مع الإمبراطوريات الاستعمارية، لكنها كانت ممراً أساسياً لطرق التجارة العالمية وبمعزل عن الصراعات الإمبراطورية الكبيرة، لكنها على اتصال دائم بالعراق والشام ومصر وبلاد فارس وغيرها من الحضارات. وهو الدور الذي يراد له أن يستعاد حالياً ضمن الرؤية الجديدة في التكامل بين الإرث التاريخي حضارياً وثقافياً وعمرانياً، والإرث الاقتصادي، والذي يتحول إلى مزيج ما بين السياحة والاقتصاد، بعيداً عن المخزون النفطي الذي كان في السنوات الماضية يشكل عماد الاقتصاد. تحتاج هذه الرؤية بمعيارها الثقافي إلى الكثير من المداولات والاستقراءات، المجال لها غير متاح هنا في هذه السطور، وقد تكون على متن سطور أخرى، لكن الأهم هو في ما يلي تلك المشروعات من كيفية تصويرها وتظهيرها بالمعنى الثقافي أيضاً، ولكن هذه المرّة إعلامياً أو درامياً، بالارتكاز على دراما عربية مشتركة ليس بالضرورة أن تكون محصورة خليجياً، وذلك لتحقيق انتشار أوسع وهو ما يتيح إعادة الحجيج الثقافي إلى السعودية، تماماً كما كان الحجيج الثقافي تاريخياً إلى شعراء المعلقات وحقبة ما قبل الإسلام كمرجع لكل العصور الأدبية اللاحقة، وهذا ربما يحتاج لمقال آخر.
في هذا السياق، تعيش السعودية ثورة ثقافية من خلال إعادة الإضاءة على أمجاد وضعت في ظلمة التاريخ وظلامه، ما ألحق المظالم بالإرث والمجتمع. الثورة القائمة حالياً تدفع إلى رفع الظلم عن هذا الإرث، وإعادة تعريف السعوديين والعرب وأربعة أركان الأرض على ما تكتنزه تلك الدولة. ومن الواضح أن مثل هذا المشروع الضخم يركز على أكثر من بعد، ثقافياً، جغرافياً، عمرانياً، وفي إطار استعادة التاريخ المطموس. جزء من هذا المشروع هو ما أعلنت عنه وزارة الثقافة السعودية وهو «التوثيق المكاني» للمواقع التي عاش فيها الشعراء العرب على أراضيها، وارتبطوا بها عبر التاريخ، بهدف توثيقها وتسهيل الوصول إليها، من خلال لوحات إرشادية وتعريفية، تربط بين هذه المواقع التراثية وشعراء عصر ما قبل الإسلام، بملاحمهم وقصائدهم ومُعلّقاتهم الشهيرة.
وذلك ما أشار إليه المتحدث الرسمي لوزارة الثقافة السعودية أن أرض الجزيرة العربية -التي تمثلها السعودية اليوم- تعد مهداً للشعراء العرب الذين أثروا الساحة الشعرية بقصائد ظلّت حاضرة مع تعاقب الزمن؛ لذلك جاءت هذه المبادرة الثقافية لتوثّق الرابط التاريخي بين شعراء العرب الأوائل والمواقع الجغرافية المرتبطة بهم في السعودية، وتفعيلها بما يُثري الحراك الثقافي والتراثي والسياحي للمملكة.
يأتي هذا المشروع كجزء من استكمال الثورة الثقافية، والتي تعززت أيضاً في محافظة العلا وإعادة إحيائها من جديد بما تكتنزه من نقوش ورسومات وتشكيلات قديمة تعود إلى آلاف السنين، سطرها المسافرون الذين عبروا فيها وهو ما يمثل تبادلاً ثقافياً متنوعاً. تمثل العلا ومدائن صالح متحفاً مفتوحاً. والأمر نفسه ينطبق على الدرعية ومشروع تطويرها بالإضافة إلى امتداد جغرافي واسع على كل مساحة السعودية في عسير، ونجران وأبها وغيرها من المناطق التي تضم في حناياها تواريخ غير ظاهرة وغير محكية.
أهمية هذه الثورة هي العودة إلى التاريخ للإبحار نحو المستقبل، في إطار حلم وطموح بتجديد بناء الدولة السعودية على أسس تتجاوز مسألة العصبية القبلية أو الدينية إلى خلق مفهوم الدولة الوطنية المرتكزة على إرث حضاري وتاريخي يشكّل عنصراً مشتركاً لدى كل مواطنيها، فلا تعود غلبة قبيلة هي العنصر المتحكم في مسارات الحكم على حساب القبائل الأخرى مثلاً، ولا يتكرر في هذا المجال سياق تاريخي من الصراعات في الجزيرة العربية، إنما يصبح الصراع هو في تحدي البقاء والاستمرار للعصبية السعودية. والأهم من ذلك أن تلك الثورة لا تبقي السعودية ولا السعوديين في حالة تطلع إلى الماضي وجعله صنماً من الأصنام التي كانت تُعبد، إنما مشروع يرتكز على المخزون التاريخي والثقافي للتأسيس عليه في سبيل الانطلاق نحو المستقبل.
تخرج السعودية في رؤية الأمير محمد بن سلمان من المسألة العائلية نحو الذهاب باتجاه بناء دولة ترتكز على مقومات فعلية لإنشاء الدولة ومشروعها المستقبلي. وهو ما يقوم على إعادة صناعة كاملة للتاريخ الذي كان مدفوناً. ونفض الغبار عن الآثار بالتشديد على وجود هذا الإرث من خلال الاحتفال بالكتابات القديمة، والأحفوريات، وإظهار ما خبأه الزمن لإظهار حضارة سعودية قادرة على صناعة أسطرة جديدة لصناعة المواطنية، والرؤية الأبعد في الرؤية هي إعطاء رصيد للإسلام حول التسامح واحتفائه بالحضارات التي سلفته والحضارات الأخرى التي تزامنت معه، كل ذلك هو جزء من تثبيت أركان الدولة السعودية، وإعادة إنتاج أيديولوجية الوطنية السعودية، والتي لم تخضع في تاريخها إلى استعمارات، بل كانت على تماس مع الإمبراطوريات الاستعمارية، لكنها كانت ممراً أساسياً لطرق التجارة العالمية وبمعزل عن الصراعات الإمبراطورية الكبيرة، لكنها على اتصال دائم بالعراق والشام ومصر وبلاد فارس وغيرها من الحضارات. وهو الدور الذي يراد له أن يستعاد حالياً ضمن الرؤية الجديدة في التكامل بين الإرث التاريخي حضارياً وثقافياً وعمرانياً، والإرث الاقتصادي، والذي يتحول إلى مزيج ما بين السياحة والاقتصاد، بعيداً عن المخزون النفطي الذي كان في السنوات الماضية يشكل عماد الاقتصاد. تحتاج هذه الرؤية بمعيارها الثقافي إلى الكثير من المداولات والاستقراءات، المجال لها غير متاح هنا في هذه السطور، وقد تكون على متن سطور أخرى، لكن الأهم هو في ما يلي تلك المشروعات من كيفية تصويرها وتظهيرها بالمعنى الثقافي أيضاً، ولكن هذه المرّة إعلامياً أو درامياً، بالارتكاز على دراما عربية مشتركة ليس بالضرورة أن تكون محصورة خليجياً، وذلك لتحقيق انتشار أوسع وهو ما يتيح إعادة الحجيج الثقافي إلى السعودية، تماماً كما كان الحجيج الثقافي تاريخياً إلى شعراء المعلقات وحقبة ما قبل الإسلام كمرجع لكل العصور الأدبية اللاحقة، وهذا ربما يحتاج لمقال آخر.