لم يحمل زملائي في فرع جمعية الثقافة والفنون في الباحة على (محمل الجدّ) اقتراحي عليهم دعوة الدكتور عبدالله الغذامي لزيارة الفرع وتقديم محاضرة عن (عقلانية أو لا عقلانية الشاشة) في العشر الأواخر من نوفمبر 2018، وذلك لبُعد الشقة كما ظنوا، وارتقاء طموحنا مرتقى صعباً، بحكم سمو مكانة القامة الأدبية، وتغليبهم اعتذاره، إلا أن ثقتي بقبول (أبو غادة) الدعوة لم يتطرق إليها أدنى احتمال أو شك؛ لما عهدته فيه من إيجابية منذ عرفته مطلع الألفية الثالثة.
وبرغم أن صاحب (حكاية الحداثة) كان يمر بظروف صحية، إلا أنه رحّب، وقال: مجيئي مشروط، بأن لا أتقاضى أي مبلغ مالي، ولا أتسلم درعاً. وأضاف قائلاً: وإن كانت إمكانات الجمعية لا تساعدها في توفير تذكرة وسكن (فلا تشيل همّها)، فهذه فرصة أن أكون بين أهلي في منطقة عزيزة وأهلها كرام، وطلب مني تحديد الموعد وإشعاره قبلها بيوم أو يومين. بالطبع لم أشعره لعدم إيماني بالبروتوكول الثقافي، بل بعثت له بالبروشور المخصص للنشر، والتذكرة، وكان موعد وصوله إلى مطار الباحة ظهر الثلاثاء.
تم إعلان المحاضرة، ونشرناه بجهود الزملاء، وأصبحنا في يوم المحاضرة على مرضاة الله، وقبل التوجه لاستقبال ضيفنا السخيّ بأخلاقه وأدبه، بعث إلينا رسالة بأن الرحلة تأخرت؛ لأسباب (لا دخل للخطوط السعودية فيها)، فتذكرتُ فوراً تشاؤم البعض، واستبعاد البعض قدوم الضيف، واستكثار البعض علينا مثل هذه الاستضافة، ومن ساعة تأخير لساعات، حدّ أني قلتُ للزملاء (عين ما صلّت على النبي) أصابتنا، وعقب صلاة المغرب كانت قاعة الأمير حسام تكتظ بحضور المتشوقين للالتقاء بالكبير الغذامي، إلا أن الرحلة لم تُقلع إلا مع السادسة والنصف، ولم نُشعر أحداً بأي شيء، فالموعد الساعة الثامنة، وما زال هناك أمل بأن تقام المحاضرة في موعدها، ولم تكد تنقضي صلاة العشاء، ويُتبع البعض فريضته بالنافلة إلا و(أبو غادة) على المنصة.
كنتُ مستعجلاً في تقديمي لعرّاب الحداثة السعودية، ولم أزد عن قولي: ضيفنا قضى في مطار الرياض سبع ساعات، ومنزله العامر لا يبعد عن المطار إلا نصف ساعة، لكنه مكث في قاعة المسافرين، يتبادل الحديث، مع معارف وركاب بأريحية قلّ ما تجدها في مثقف مع احترامي للجميع.
قدّم الورقة وتحاور مع الحضور، وطلب عرض كل الأسئلة والمداخلات، ولم نخرج إلا منتصف الليل، وأكمل الحوار في مبنى الجمعية، ولم يتناول العشاء الذي اجتهد فريق العمل في إعداده، وقال، سأكتفي ببعض الفاكهة.
لم يكن الغذامي يقدّم ورقة عمل في فعالية ثقافية، بل كان يعطينا دروساً في اللباقة واللياقة واحترام الناس، ويربّي وعينا على أن الثقافة سلوك والتزام وسماحة نفس، وكانت الدهشة تعقد ألسن نخبة المدعوين، فالضيف المتفرد في حضوره، (بكل ما تعنيه الكلمة) انشغل بالردود والمناقشات، وقضى ما يقرب من ساعة واقفاً أمام الجمعية، إلى أن انفض السامر.
أوصلناه للفندق، وكنا نحاول تمديد الزيارة يوماً إضافياً، إلا أنه استيقظ قبلنا، ووجدته في البهو يتجاذب أطراف الحديث مع موظفي الفندق الذين كانوا يلتقطون معه صوراً تذكارية، فاقترحنا عليه نفطر (فول) فقال عندكم فوّال شهير، وتوجهنا إليه، وأكاد أجزم أنه كان في غاية السرور وهو يصافح المُسلّمِين عليه، والمرحّبين به، وكانت عناية الجميع به بمن فيهم الذين يعرفونه عن بُعد، مصدر اعتزازنا، وأقنعناه بجولة سريعة على السوق الشعبي؛ لنشتري له (كادي ذي عين وريحان وبعيثران الأصدار)، وأتبعناها بجولة على غابة رغدان، ثم توجهنا بسعادته إلى المطار.
أيُّ كتابة مُنصِفة عن (الغذامي) هي شهادة حقّ، وواجب وبيان لا ينبغي أن يتأخر، ليعرف مشاعرنا تجاهه، باعتباره نموذجاً إنسانياً وثقافياً وطنياً، تحسدنا عليه شعوب وقبائل الثقافة.
اقترح الصديق عبدالعزيز النصافي جمع مقالات الأحبة عن الحبيب الغذامي، وسألني: ماذا كتبتَ عن أستاذ الأجيال؟ قلتُ: عندي مقال جاهز من سنين، حجبته (كورونا) لا أعادها الله، فقال: هاته، فقلتُ: سمّك، هذا هو.
وبرغم أن صاحب (حكاية الحداثة) كان يمر بظروف صحية، إلا أنه رحّب، وقال: مجيئي مشروط، بأن لا أتقاضى أي مبلغ مالي، ولا أتسلم درعاً. وأضاف قائلاً: وإن كانت إمكانات الجمعية لا تساعدها في توفير تذكرة وسكن (فلا تشيل همّها)، فهذه فرصة أن أكون بين أهلي في منطقة عزيزة وأهلها كرام، وطلب مني تحديد الموعد وإشعاره قبلها بيوم أو يومين. بالطبع لم أشعره لعدم إيماني بالبروتوكول الثقافي، بل بعثت له بالبروشور المخصص للنشر، والتذكرة، وكان موعد وصوله إلى مطار الباحة ظهر الثلاثاء.
تم إعلان المحاضرة، ونشرناه بجهود الزملاء، وأصبحنا في يوم المحاضرة على مرضاة الله، وقبل التوجه لاستقبال ضيفنا السخيّ بأخلاقه وأدبه، بعث إلينا رسالة بأن الرحلة تأخرت؛ لأسباب (لا دخل للخطوط السعودية فيها)، فتذكرتُ فوراً تشاؤم البعض، واستبعاد البعض قدوم الضيف، واستكثار البعض علينا مثل هذه الاستضافة، ومن ساعة تأخير لساعات، حدّ أني قلتُ للزملاء (عين ما صلّت على النبي) أصابتنا، وعقب صلاة المغرب كانت قاعة الأمير حسام تكتظ بحضور المتشوقين للالتقاء بالكبير الغذامي، إلا أن الرحلة لم تُقلع إلا مع السادسة والنصف، ولم نُشعر أحداً بأي شيء، فالموعد الساعة الثامنة، وما زال هناك أمل بأن تقام المحاضرة في موعدها، ولم تكد تنقضي صلاة العشاء، ويُتبع البعض فريضته بالنافلة إلا و(أبو غادة) على المنصة.
كنتُ مستعجلاً في تقديمي لعرّاب الحداثة السعودية، ولم أزد عن قولي: ضيفنا قضى في مطار الرياض سبع ساعات، ومنزله العامر لا يبعد عن المطار إلا نصف ساعة، لكنه مكث في قاعة المسافرين، يتبادل الحديث، مع معارف وركاب بأريحية قلّ ما تجدها في مثقف مع احترامي للجميع.
قدّم الورقة وتحاور مع الحضور، وطلب عرض كل الأسئلة والمداخلات، ولم نخرج إلا منتصف الليل، وأكمل الحوار في مبنى الجمعية، ولم يتناول العشاء الذي اجتهد فريق العمل في إعداده، وقال، سأكتفي ببعض الفاكهة.
لم يكن الغذامي يقدّم ورقة عمل في فعالية ثقافية، بل كان يعطينا دروساً في اللباقة واللياقة واحترام الناس، ويربّي وعينا على أن الثقافة سلوك والتزام وسماحة نفس، وكانت الدهشة تعقد ألسن نخبة المدعوين، فالضيف المتفرد في حضوره، (بكل ما تعنيه الكلمة) انشغل بالردود والمناقشات، وقضى ما يقرب من ساعة واقفاً أمام الجمعية، إلى أن انفض السامر.
أوصلناه للفندق، وكنا نحاول تمديد الزيارة يوماً إضافياً، إلا أنه استيقظ قبلنا، ووجدته في البهو يتجاذب أطراف الحديث مع موظفي الفندق الذين كانوا يلتقطون معه صوراً تذكارية، فاقترحنا عليه نفطر (فول) فقال عندكم فوّال شهير، وتوجهنا إليه، وأكاد أجزم أنه كان في غاية السرور وهو يصافح المُسلّمِين عليه، والمرحّبين به، وكانت عناية الجميع به بمن فيهم الذين يعرفونه عن بُعد، مصدر اعتزازنا، وأقنعناه بجولة سريعة على السوق الشعبي؛ لنشتري له (كادي ذي عين وريحان وبعيثران الأصدار)، وأتبعناها بجولة على غابة رغدان، ثم توجهنا بسعادته إلى المطار.
أيُّ كتابة مُنصِفة عن (الغذامي) هي شهادة حقّ، وواجب وبيان لا ينبغي أن يتأخر، ليعرف مشاعرنا تجاهه، باعتباره نموذجاً إنسانياً وثقافياً وطنياً، تحسدنا عليه شعوب وقبائل الثقافة.
اقترح الصديق عبدالعزيز النصافي جمع مقالات الأحبة عن الحبيب الغذامي، وسألني: ماذا كتبتَ عن أستاذ الأجيال؟ قلتُ: عندي مقال جاهز من سنين، حجبته (كورونا) لا أعادها الله، فقال: هاته، فقلتُ: سمّك، هذا هو.