-A +A
سامي الدجوي
تشرّفتُ بالعمل مع قائد إستراتيجي بارز في مؤسسة حكومية كبرى. في أوائل أيام عملي، تم تكليفي بمقابلة مديري العموم للتعرّف على مهامهم وتقديم لمحة عن دوري الوظيفي. أذهلني ما رأيتُ في معظمهم أنهم من الكفاءات الوطنية ذوي حملة الدكتوراه ولديهم خبرات متنوعة ومهارات متعددة -بفضل الله تعالى. لفت انتباهي أحدهم بلباقة كلامه وسلاسة حديثه. أبلغتُ المسؤول ما رأيته وسمعته عن المديرين، وأضفتُ انطباعي الأولي عن ذلك المدير كونه عمليًا ومبدعًا وصادقًا. لكن بعد العمل معه مباشرةً والتعامل معه عن قُرب، تبيّن لي أن انطباعي الأولي لم يكن دقيقًا، وهنا نقف عند هذه اللقطة. ربما تُذكّرك هذه القصة بتجربة مشابهة مررت بها أو سمعت عنها. إذا كان الأمر كذلك، فنحن وقعنا تحت تأثير ما يُعرف بـ«تأثير الهالة (Halo Effect)»، فما هو تأثير الهالة؟

تأثير الهالة، والمعروف أيضًا بـ«تحيّز الهالة»، هو ظاهرة نفسية تدفعنا لتكوين انطباع إيجابي عن شخص ما بناءً على سمة واحدة جذابة أو بِضِع سمات، مثل حُسِن المظهر وشكل الجسم ولباقة الكلام. هذا الانطباع الأولي يقودنا إلى افتراض أن هذا الشخص يمتلك صفات أخرى إيجابية، مثل الذكاء والاحترام والكرم، دون أن يكون لدينا دليل ملموس على وجودها. في القصة التي بدأتُ بها هذا المقال، كان انطباعي الإيجابي عن ذلك المدير مبنيًا على لباقة كلامه. هذه السمة الصحيحة فيه، جعلتني أفترض فيه صفات إيجابية أخرى، دون أن أتحقق منها، وتبيّن لي لاحقًا أنها غير موجودة، وهنا أقول إنني انخدعت بالبريق. ولفهم تأثير الهالة بشكل أفضل، دعونا نلقي نظرة على دراسة علمية تُظهر لنا وجود هذا التأثير في حياتنا اليومية.


وفقًا لدراسة بعنوان: «Beauty is Talent: Task Evaluation as a Function of the Performer’s Physical Attractiveness» التي أجراها دايفيد لاندي (David Landy) وهارولد سيجال (Harold Sigall) في عام 1974 في الولايات المتحدة الأمريكية، على 60 طالبًا جامعيًا، وطلبوا منهم قراءة مقال مكتوب بطريقة جيدة، وطلبوا منهم رأيهم في كتابة المقال، فافترض أغلبهم صفات إيجابية عن كاتبة المقال، الغريب أنهم افترضوا أن الكاتبة تمتلك مظهرًا جذابًا على الرغم أنهم لم يروها من قبل. وهنا أثبتت هذه الدراسة وجود تحيّز جمالي كبير في البيئة التعليمية، مما يُعزز فرضية «تأثير الهالة». كما نلاحظ أن المشاهير الجذابين يحصلون على مشاهدات أكثر من غيرهم، رغم أن أداءهم قد يكون ضعيفًا ومحتوى تقديمهم قد يكون سطحيًا.

بعد أن تعرّفنا على مفهوم تأثير الهالة واستشهدنا علميًا وعمليًا بوجوده، دعونا نستعرض مخاطر تأثير الهالة على منظماتنا؟

نحن نسعى دائمًا لاتخاذ أنسب القرارات لتحقيق أقصى النتائج. ومع ذلك، يقف تأثير الهالة عائقًا أمامنا، حيث يمكن أن يؤدي انبهارنا بشخصٍ ما -بناءً على انطباع أولي فقط- إلى تجاهل مؤهلاته الحقيقية وصفاته وسلوكياته، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير دقيقة وضياع فرص جيدة أو احتمال خسارة المنظمة. وتكرار هذه الحالات بين الإدارات والقيادات قد يؤدي في نهاية المطاف إلى فشل المنظمة بسبب سوء إدارتها. إذًا، كيف يمكننا التغلب على تأثير الهالة؟

إن تأثير الهالة ليس مجرد ظاهرة نفسية عابرة؛ بل إنه تحيّز إنساني شائع وجزء من طبيعتنا البشرية. لذلك، قد يكون من الصعب القضاء عليه بالكلية، لكن يمكن تقليل تأثيره عن طريق إستراتيجيات فعّالة، فيما يلي أربعة منها مُجربة: 1. زيادة وعينا وتثقيف أنفسنا، ومن أساليب ذلك هو قراءة مثل هذه المقالات. 2. وضع معايير تقييم موضوعية وبالتالي تقليل الاعتماد على الانطباعات الأولية. 3. صناعة قرارات بناءً على الحقائق والبيانات. 4. ضبط النفس على عدم التسّرع في إصدار الأحكام. وبهذه الإستراتيجيات الأربع تخفف من تأثير الهالة، وتكون أقرب إلى اتخاذ قرارات صائبة، وهذا هو عنوان المقال.

تلخيصًا لما سبق، فإننا عَرَّفنا تأثير الهالة كنوع من الانطباع الأولي الإيجابي المبني على سمات محدودة في شخصٍ ما، والذي يؤدي إلى افتراض صفات أخرى إيجابية دون التحقق من وجودها. هذا التأثير يُعطل التفكير العقلاني ويُفعّل التفكير العاطفي، ويؤدي إلى اتخاذ قرارات غير دقيقة وضياع فرص جيدة للمنظمة وخسارتها. ويمكن تقليل تأثيره السلبي من خلال زيادة وعينا، ووضع معايير للتقييم، والاستناد إلى الحقائق والبيانات عند صناعة القرار، وترويض النفس على تجنب التسّرع في إصدار الأحكام. أخيرًا، يمكن للقليل من الوعي أن يُحدث فرقًا كبيرًا. دعونا نُطبق هذه الأفكار في حياتنا العملية لبناء بيئة عمل أكثر نجاحًا، ونحقق أهداف منظماتنا، ونساهم في رفعة وطننا.