-A +A
عبده خال
في استطلاع تلفزيوني، وفي الدورة العاشرة لمهرجان أفلام السعودية، حملت المذيعة النشطة سهى الوعل سؤالاً خصت به المخرجين المحليين عما أسمته (ثقافة التخلي)، بحيث يضطر المخرج إلى حذف مقاطع من فيلمه ليس لشيء سوى الخشية من اللوم.

وأعتقد أن جملة (يضطر خشية اللوم) تكون درجة من درجات انتقاص المخرج لفنه أو ذاته، وهذا الانتقاص يقابل الخشية من أن يلام، ولو كان السؤال قائماً على حرية الفنان (المخرج) يحق له أن يتخلى عن مشاهد أو يضيف مشاهد أو يحدد زمنية انتهاء الفيلم، لكان الجواب قد اتخذ مساراً مختلفاً.. وهذا ما جعلني أجيب عن فكرة (ثقافة التخلي) التي أعتبرها من جوهر العملية الإبداعية ومن خصوصية الفنان (سواء أكان كاتباً أو مخرجاً)، فالفنان يقدم عمله وفق وصوله إلى مراحل الرضا بما صنعه، أما الخشية من اعتقاد النقاد أو الجمهور فهذه الخشية تعد منقصة، فالفنان ليس برنامج (ما يطلبه المستمعون) يستجيب لما يريده المشاهد قبل أو بعد العملية الإخراجية، المخرج هو قائد العملية الفنية، ولم يصل إلى لقب مخرج إلا بعد أن امتلك الأدوات التي تجيز له أن يحتل هذا الموقع، وكبار الكتاب والمخرجين يقدمون رؤاهم الاستكشافية للحياة، وما يجب أن تكون عليه هذه الحياة، وهذه الفئة هي القائدة للوصول إلى الأجمل، وأي خشية من اللوم تخرج (الخواف) من هذه القيادة.


وسؤال الأستاذة سهى الوعل الذي بدأت به استقبال المجيبين عن (ثقافة التخلي) كشف - من غير قصد - حساسية المخرجين الذين لا يتقبلون الانتقاد أو اللوم، واعتبار أي ملاحظة هي جملة اعتراضية رافضة للعمل كاملاً.

وهناك فروقات متقاربة من النقد الجمالي والنقد التخريبي، لا يميزها إلا من يريد أن يترقى جمالياً.

لو عدنا إلى مرتكز الاستطلاع (الخشية من اللوم).

فعلينا إيضاح أن العمل المقدم للجمهور (فيلم أو رواية أو أياً كان) يقدم بعقد ضمني، ذلك العقد ينص على أنا كاتب وأنت قارئ أو أنا مخرج وأنت مشاهد، فيحق لك الانتقاد داخل العمل وليس خارجه، فالمشاهدون لأي فيلم لا يجوز لهم انتقاد الفيلم من خارجه، يحق لأي مشاهد تقديم انتقاده من داخل الفيلم.

وانتقاد المشاهد من خارج الفيلم المعروض يعتبر تخلياً عن العقد الضمني المبرم بين المخرج والمشاهد، فالعقد المبرم أنني أنا المخرج وأنت المشاهد، والعقد لا يجيز للمشاهد القول: لو حذفت أو لو فعلت، ... كل (لو لو لو اللوات) ليست من حق المشاهد، الإعجاب والانتقاد من حق الجميع، أما الانتقاد ليس له باب مشرع على الدوام، وإنما وفق أدوات فنية تجيز للناقد الانتقاد الذي يؤدي إلى تنامى التجربة أو يؤدي إلى ارتفاع ذائقة الأعمال الفنية.

والنقد الحديث يعمد إلى جماليات العمل، ويزيد العمل جمالاً إضافياً.. بصدق، زمن النقد التخريبي انتهى.