صرح مؤخراً الرئيس الروسي بوتين بأن «طالبان هم بالتأكيد حلفاؤنا في مكافحة الإرهاب»، وسبق أن صرحت الإدارة الأمريكية بأن «طالبان» التزمت معها بمحاربة الإرهاب، فهل تحوّلت «طالبان» من حركة آوت تنظيم القاعدة إلى حركة تتعاون مع القوى الدولية في مكافحة الإرهاب وجماعاته؟! وهل أثبتت مصداقية تعهداتها تلك بمعاركها المستمرة مع تنظيم داعش على أراضيها، وعدم دعوتها جماعة القاعدة للعودة إليها من مقرها الحالي بإيران، إذ أصدرت تعميماً بمنع الدعوة للجماعات الإرهابية ومنع أدبياتها، فهل يعود سبب هذا الانقلاب في حالها إلى وجود مصالح جديدة أم أن هذا الانقلاب جاء بعد أن عايشت تبعات الإفساد في الأرض الذي تسببه الجماعات الإرهابية؟، فالملا عمر مؤسس «طالبان» أخذ عهداً على أسامة بن لادن أن لا يقوم بأي عمليات ومنحه بن لادن هذا العهد ثم خانه وقام بعملية 11 سبتمبر دون إذن «طالبان»، لذا فإن مفتي القاعدة أبوحفص الموريتاني انشق عنها لنقضها ذلك العهد واعتبار عملياتها مخالفة للشرع، واستجلبت عملية القاعدة الغزو والاحتلال الأمريكي على أفغانستان ومقتل عشرات الآلاف من المدنيين الأفغان، والدرس الذي تعلمته «طالبان» من هذا الحدث أنها لا يمكن أن تثق بالجماعات الإرهابية، وأنها تستجلب ردات الأفعال الانتقامية على المجتمعات التي تؤويها، ولما نشأ في أفغانستان فرع لـ«داعش» لم تهادنه إنما حاربته منذ البداية وأمريكا وجدت هذا في صالحها لأنه أشغل عناصر «طالبان» بمحاربة «داعش» بدل محاربة الأمريكيين، حتى أن «طالبان» قالوا إنهم كانوا يشهدون نقل الطائرات الأمريكية لعناصر داعش والتدخل لصالحهم أثناء معاركهم مع «طالبان»، وحتى بعد انسحاب الأمريكيين استمرت «داعش» بالقيام بعمليات اغتيال لمسؤولي «طالبان» والقيام بعمليات إرهابية ضد المدنيين الأفغان، ومازالت هناك معارك طاحنة بين «داعش» و«طالبان»، وتحول «طالبان» من إيواء الجماعات الإرهابية إلى محاربتها هو درس للجميع حول مخاطر الجماعات الإرهابية التي لا أمان ولا عهود لها وتستجلب على أي مجتمع يؤويها الخراب والدمار ويشهد بذلك ما لحق بالمدن السنية في العراق من دمار شامل إثر سيطرة «داعش» عليها، وهذه العبرة يجب التأكيد عليها مراراً وتكراراً حتى لا تتكرر أمثال تلك المآسي على المجتمعات المسلمة، فمهما كانت الأحوال السائدة غير مرضية، فالجماعات الإرهابية لا يمكن أن تكون البديل لأنها حتى وهي في سلطة الحكم تبقى تتصرف كجماعات إرهابية، أي غايتها القيام بالعمليات الإرهابية العبثية وليس خدمة رفاه الشعب الذي تحكمه وتنميته وتقدمه، وتعمل على تحويل كافة موارد الشعب إلى العمليات الإرهابية وتدرب الصغار على أن يصبحوا انتحاريين وذباحين للبشر.. بدل تدريبهم على أن يصبحوا علماء ومخترعين ومبدعين في كل المجالات، وللأسف هناك تقصير بالغ لدى الإعلام العربي والإسلامي في صنع برامج وثائقية ترصد الآثار المدمرة للجماعات الإرهابية على المجتمعات التي احتضنتها، والنتيجة مازال هناك إقبال على الانضمام إليها، مما يعني أن الرسالة لم تصل إلى عموم المسلمين بالآثار الكارثية للجماعات الإرهابية، فمجرد قتل عناصرها لا يقتل فكرتها، وقتل الفكرة يكون بالتوعية بأضرارها الواقعية على المجتمعات التي احتضنتها، ورابطة العالم الإسلامي يجب أن تتبنى القيام بهذا الدور وضمان ترجمة كل المواد الإعلامية المضادة للإرهاب ووصولها إلى المشاهدين المسلمين في أنحاء العالم بخاصة المناطق التي تشهد نشاطاً كبيراً للجماعات الإسلامية الإرهابية مثل أفريقيا، وللأسف ليست هناك حركة فكرية إسلامية من القيادات الإسلامية تتبنى تفنيد حجج الجماعات الإرهابية وتحاجج زعامات الجماعات الإرهابية لبيان بطلان مساعيهم، مع العلم أن بداية نهاية الإرهاب في الجزائر تسعينات القرن الماضي كانت بتسجيل وتداول اتصالات من الشيخ ابن عثيمين يرد فيها على حجج الجماعات الإرهابية في الجزائر ويثبت بطلانها.