-A +A
السيد محمد علي الحسيني
حقيقة ترددنا كثيرًا في كتابة رسالتنا هذه، لعلمنا في أبعادها ومخافة تفسيرها لغير هدفها، لذلك توجهنا عند الحيرة إلى الخيرة، فالأمر فيها افعل.

سماحة السيد حسن نصر الله، نعلم بالتأكيد بأن رسالتنا ستصلكم وستقرؤونها.


إننا نعلم مدى اطلاعكم ومتابعتكم لما يجري، فهذا شغلكم الشاغل طبعًا.

لكن دعنا نذكركم بأن الغالبية العظمى من القادة عبر التاريخ كانت لديهم نقاط ضعف أدت إلى خسائر وهزائم وحتى كوارث على شعوبهم ودمار لأوطانهم والأمر يعود إلى سببين:

1-العنجهية والثقة المطلقة التي تؤدي إلى التهور.

2-عدم الأخذ بالنصائح لأنهم ظنوا أنهم فوق النصيحة وأعلم وأفهم من الناصح.

الحقيقة، أننا نهتم بأهلنا وبوطننا الغالي لبنان، لذلك يتوجب علينا تقديم النصيحة، فهي واجبة علينا، وحجة عليكم، وبالأخص الإشارة إلى أمور نأمل أن تنظروا فيها.

بداية، يجب أن تعلموا أن إسرائيل بعد السابع من أكتوبر لم تعد كما كانت قبل هذا التاريخ بكل ما تعرفونه عنها. لذا، لا يمكن الاعتماد على الخبرات والتجارب السابقة مثل حروب 1993 أو 1996 أو 2006. إسرائيل اليوم تحارب تحت شعار حرب الوجود واستعادة الردع.

لذلك، ولأول مرة في تاريخ حروب إسرائيل، يسقط هذا العدد الكبير من القتلى والجرحى، وتستمر الحرب لأكثر من عشرة أشهر، وهذه الأوضاع استثنائية، ولا يمكن فيها الاعتماد على قراءة الماضي لاستشراف المستقبل على الإطلاق.

منذ أكثر من 10 أشهر، قرى وبلدات الجنوب معرضة للدمار اليومي وسقوط الشهداء وحرق المحاصيل والتهجير، دون أي أفق أو فائدة تعود على لبنان والمواطنين، وإذا سُئل اللبنانيون جميعًا، سوف يقولون بإجماع: «توقف، نحن لا نريد حربًا لا ناقة لنا فيها ولا جمل، وليس لنا فيها مصلحة، ولا فائدة».

سماحة السيد، من أجل التاريخ، أنت تعلم أن الوقت نفد، وهذا شأنك الخاص، لكن ما يهمنا هو شعبنا ولبنان، لذا سنخبرك بكل شفافية وأمانة ومصداقية.

استمرارك في فتح جبهة الجنوب انتهت مدة الصبر عليه، وكل الجهود الدبلوماسية نفدت، بسبب رفضك لها، وهذا ليس تهديدًا، بل نصيحة وتوعية بما سيحدث من ردات الفعل العسكرية ومن الدمار الذي سيصيب لبنان وشعبه من دون أي رادع.

واعلم أن إسرائيل ستستخدم أسلحة غير تقليدية، والله شاهد على ما أقول، واعلم أن الحرب لن تتوقف عند لبنان، بل ستمتد إلى دمشق التي ستسقط مثلما سقطت بيروت عام 1982.

المعاناة لشعبنا والمأساة ستكون غير مسبوقة هذه المرة، فلا مكان للناس يأويهم، ولا مساعدات ستقدم، ولا طريق للإمداد لأنه لا مطار ولا مرفأ ولا طريق برية مع سوريا والحصار سيكون طويلاً وقاسيًا جدًا، فضلاً عن تحرك النائمين وما أكثرهم.

إسرائيل دولة نووية، والغرب كله سيكون معها عندما يكون الصدام معك في لبنان.

لذا، لا تغرنك أية ضمانات دولية بأن الغضب الإسرائيلي سيكون محصورًا أو محدودًا، وأنها لن تعتدي على لبنان كل لبنان، وسيدفع اللبنانيون كلهم الثمن غاليًا، خصوصًا الشيعة منهم، فالمشاريع التي ستعد لهذا البلد مستقبلاً بعد الحرب ستعيد الشيعة إلى غياهب العزلة والتهميش.

أقسم صادقًا أن الحرب على لبنان قاب قوسين أو أدنى، وأنت وحدك يمكنك أن توقفها وتنقذ بلدنا من الدمار، والمواطنين من الهلاك، باتخاذ قرار شجاع تاريخي بوقف العمليات العسكرية فورًا، والإعلان عن ذلك صراحة، ودع الجيش اللبناني يتولى المسؤولية الكاملة على الحدود.

وإلا، ستتحمّل المسؤولية الكاملة عن كل ما سيفعله الجيش الإسرائيلي في لبنان، وستكون مسؤولاً عن خراب لبنان وكل الدماء التي ستسفك.

العقل والشرع يوجبان علينا ألا نلقي بأنفسنا إلى التهلكة، ومسؤوليتك الدينية كبيرة جدًا بألا ترمي نفسك فحسب وإنما ألا ترمي شعبًا وبلدًا بكامله.

هذه نصيحتي لك، وهذه حجتي عليك.

اللهم إني قد بلغت فاشهد.