ما الذي حدث لمنصات تواصلنا؟! من أي فج عميق توافد إليها هذا الكم الجارف من المحتوى الرديء ليطغى على أسماعنا وأبصارنا وعقولنا من مهووسي الظهور الممتلئين تفاهةً، الفارغين مضمونًا وفكرًا وقيمًا؟ وكيف تمكّنوا من استباحة صفحاتنا وشاشاتنا ومنّصاتنا وملء فضائنا بهذا الغث من المحتوى المستخف بعقولنا، المنزوع من قيمنا، الخالي من المعنى وتماسك ألفاظه؟
هي بضع كلمات.. تصطف جنبًا إلى جنب من هنا وهناك. لا يهم السياق، لا مكان للفكرة، ولا داعي للمعنى طالما أن الهدف هو تسجيل الحضور وترويج الذات. «اسمي مكتوب»، و«صورتي موضوعة»، إذن لا بأس، فالبقية تفاصيل لا محل لها من الإعراب.
خطورة هذه الظاهرة الآخذة بالتمدد والانتشار عبر منصات التواصل الاجتماعي، التي باتت بحكم العصر، منبر لا منبر له، تكمن بسرعة عدواها ليس لمن يرغب فقط، بل لمن يدفع أيضًا أي كان ما خطّت يداه أو نطق لسانه أو خطر بباله، ليصبح المشهد ركيكًا ومائعًا. فالمثقّف يتحدث عن آثار أسعار الفائدة، والاقتصادي يستعرض آخر صيحات الموضة، وخبيرة التجميل تحلل آخر أحوال طبقة الأوزون، ومصمم الأزياء يدندن بطبقات فحول الشعراء، ولاعب الكرة يعيد تأريخ داحس والغبراء، وخبير الطهي يستشرف ملامح الحرب العالمية الثالثة، فيما عامل البناء يقدّم إرشاداته عن فنون الإتيكيت والبروتوكول وكل ذلك يتم بإمضاء «خبير»، و«مستشار»، و«باحث» دون حسيب أو رقيب أو حتى دلالة مضمونية تعكس ذلك!.
وإذا سلّمنا بحق الجميع بالتحدث فيما شاؤوا وإبداء مرئياتهم وقراءاتهم وتكون لهم حرية التعبير عن هواياتهم واهتماماتهم؛ إلا أنه من غير المنطق بحال من الأحوال أن يتصدّر المشهد ليصبح هو المرشد والمُلهم والمرجع تحت وقع «الإعجابات والمعجبين» بما لا يعرف، وللحيلولة دون الوصول إلى ذلك، جاء إقرار اللوائح والأنظمة ومن خلفها الهيئات الناظمة لضبط إيقاع ما يتناقل عبر الفضاء، وتنقيته من فوضى المحتوى.
لقد بات شغف الظهور بل والتقليد الأعمى من قبل المتطفلّين يشكل تهديدًا صارخًا للدور التنويري والمعرفي الذي طالما أنيط بنوافذ الإعلام على اختلاف صنوفها وتطور أدواتها بدءاً من دواة الحبر وليس انتهاءً بشاشات الهاتف المحمول، والتي حملت عبر التاريخ مسؤولية إثراء وبناء عقل جمعي يزيح قتامة الجهل، بيد أن الواقع اليوم يكاد يغيّب هذا الدور، مع هذا الترحيب المنفلت وغير المفهوم للهواة ومحتواهم الاستهلاكي والعبثي، فيما أرى أن «مقص الرقيب» يغطّ في سبات عميق.
أكتب هذه السطور من على منبر صحيفة لها من اسمها نصيب وافر وحضورها الرصين، وأدرك –دون مديح– أنها من القلة القليلة الباقية الممسكة بالحدود الدنيا من المعايير المهنية لرسالة الكتابة والصحافة والتنوير. وبكل تأكيد فإن ما دفعني لهذه الفضفضة الشفافة الغيرة على «سُلطة» سامية الرسالة لا أريد لها أن تتهاوى وأن يأخذها الطوفان نحو الانحدار أو تصبح ركنًا في بازار الاستهلاك، وأن تبقى محصّنة من كل رديء ومُزيف.
هي بضع كلمات.. تصطف جنبًا إلى جنب من هنا وهناك. لا يهم السياق، لا مكان للفكرة، ولا داعي للمعنى طالما أن الهدف هو تسجيل الحضور وترويج الذات. «اسمي مكتوب»، و«صورتي موضوعة»، إذن لا بأس، فالبقية تفاصيل لا محل لها من الإعراب.
خطورة هذه الظاهرة الآخذة بالتمدد والانتشار عبر منصات التواصل الاجتماعي، التي باتت بحكم العصر، منبر لا منبر له، تكمن بسرعة عدواها ليس لمن يرغب فقط، بل لمن يدفع أيضًا أي كان ما خطّت يداه أو نطق لسانه أو خطر بباله، ليصبح المشهد ركيكًا ومائعًا. فالمثقّف يتحدث عن آثار أسعار الفائدة، والاقتصادي يستعرض آخر صيحات الموضة، وخبيرة التجميل تحلل آخر أحوال طبقة الأوزون، ومصمم الأزياء يدندن بطبقات فحول الشعراء، ولاعب الكرة يعيد تأريخ داحس والغبراء، وخبير الطهي يستشرف ملامح الحرب العالمية الثالثة، فيما عامل البناء يقدّم إرشاداته عن فنون الإتيكيت والبروتوكول وكل ذلك يتم بإمضاء «خبير»، و«مستشار»، و«باحث» دون حسيب أو رقيب أو حتى دلالة مضمونية تعكس ذلك!.
وإذا سلّمنا بحق الجميع بالتحدث فيما شاؤوا وإبداء مرئياتهم وقراءاتهم وتكون لهم حرية التعبير عن هواياتهم واهتماماتهم؛ إلا أنه من غير المنطق بحال من الأحوال أن يتصدّر المشهد ليصبح هو المرشد والمُلهم والمرجع تحت وقع «الإعجابات والمعجبين» بما لا يعرف، وللحيلولة دون الوصول إلى ذلك، جاء إقرار اللوائح والأنظمة ومن خلفها الهيئات الناظمة لضبط إيقاع ما يتناقل عبر الفضاء، وتنقيته من فوضى المحتوى.
لقد بات شغف الظهور بل والتقليد الأعمى من قبل المتطفلّين يشكل تهديدًا صارخًا للدور التنويري والمعرفي الذي طالما أنيط بنوافذ الإعلام على اختلاف صنوفها وتطور أدواتها بدءاً من دواة الحبر وليس انتهاءً بشاشات الهاتف المحمول، والتي حملت عبر التاريخ مسؤولية إثراء وبناء عقل جمعي يزيح قتامة الجهل، بيد أن الواقع اليوم يكاد يغيّب هذا الدور، مع هذا الترحيب المنفلت وغير المفهوم للهواة ومحتواهم الاستهلاكي والعبثي، فيما أرى أن «مقص الرقيب» يغطّ في سبات عميق.
أكتب هذه السطور من على منبر صحيفة لها من اسمها نصيب وافر وحضورها الرصين، وأدرك –دون مديح– أنها من القلة القليلة الباقية الممسكة بالحدود الدنيا من المعايير المهنية لرسالة الكتابة والصحافة والتنوير. وبكل تأكيد فإن ما دفعني لهذه الفضفضة الشفافة الغيرة على «سُلطة» سامية الرسالة لا أريد لها أن تتهاوى وأن يأخذها الطوفان نحو الانحدار أو تصبح ركنًا في بازار الاستهلاك، وأن تبقى محصّنة من كل رديء ومُزيف.