-A +A
علي محمد الحازمي
طرحت قضية الإيجارات المرتفعة لكل من القطاع السكني والتجاري في مقال سابق بعنوان «إيجارات خارجة عن السيطرة!» بتاريخ 6 يونيو 2024 بصحيفة عكاظ، اليوم أعود إلى ذات الموضوع وأخص القطاع السكني. ولا بد من بيان أن كل المدارس الاقتصادية منذ آدم سميث في القرن الثامن عشر حتى يومنا الحاضر بما فيهم أنصار الأسواق الحرة تدعم التدخل الحكومي للسيطرة على الأسواق العقارية بمختلف أنواعها، إيماناً منهم أن القطاع العقاري ركيزة أساسية لكل اقتصاد، مؤكدين مقولة «إذا أردت أن تٌربك اقتصاد دولة فأربك قطاعها العقاري».

لا خلاف أن الجهات التشريعية والتنظيمية تقوم بعمل متسارع في القطاع العقاري بمختلف أنواعه. مئات اللوائح والأنظمة التي دخلت حيّز التنفيذ على مدى السنوات القليلة الماضية هدفها حوكمة وتنظيم القطاع العقاري، ولكن الحقيقة التي نراها على أرض الواقع هي أن الحد من الارتفاعات الكبيرة في القطاع الإيجاري السكني الذي أربك استقرار الأسر لم يأخذ حقه الكافي من تلك التنظيمات والتشريعات من صنّاع القرار.


إن الرقابة على الإيجارات وفرض القيود على أصحاب العقارات من زيادة الإيجارات على المستأجرين كانت موجودة منذ العصر الروماني القديم، مما يجعلها واحدة من أقدم لوائح الإسكان التي لا تزال تمارس حتى اليوم الحاضر. ومن هذا المنطلق وتحقيقاً للاستقرار الأسري الذي يعد ركناً مهماً لدفع عجلة التنمية؛ لا بد اليوم وقبل الغد من التدخل الحكومي في سوق الإيجارات السكنية لتوفير حل لائق لوقف هذا الجشع والزيادات الفادحة التي تتجاوز 50 % في مرات كثيرة. وفي ظل تلك المؤشرات، سياسات ضبط الإيجار لم تعد خياراً، بل ضرورة لضمان القدرة على تحمّل التكاليف، واستقرار المستأجرين الذين أضحوا عرضة لمزاجية مؤجر. وفي ظل هذه المعطيات، نضع واحداً من الحلول على طاولة صنّاع القرار وتنتهجها العديد من الدول، هو تثبيت الإيجارات بفرض حدود صارمة لتلك الارتفاعات بزيادات سنوية لا تتجاوز 5 % من العام السابق في المدن الكبرى -على أقل تقدير-.

النماذج الدولية بهذا الشأن كثيرة -على سبيل المثال- تطبق العديد من الدول الأوروبية الرأسمالية بما فيها الإسكندنافية سياسة تثبيت الإيجارات التي يتم بموجبها تحديد الإيجارات في البداية من قبل السوق، ولكن الزيادات في الإيجارات داخل عقد الإيجار محدودة بمعدلات لا تتجاوز 5 %. حتى الدول التي ألغت ضوابط الإيجارات بعد الحرب العالمية الثانية، تراجعت عن تلك التوجهات وأصبح ملف تثبيت الإيجارات واحداً من الملفات الساخنة في الحملات الانتخابية لجميع الأحزاب الرئيسية في تلك الدول.

اليوم لا بد أن يعلم صنّاع القرار أن المستأجر لا يحتاج سوى المزيد من الأمن في القطاع الإيجاري السكني، ومزيد من اليقين بشأن زيادات الإيجار، وتطبيق أفضل القواعد التنظيمية والممارسات العالمية. وأخيراً؛ أقول لكل صاحب عقار لم يرفع الإيجار على المستأجرين ولم يجد لنفسه الحجج والمبررات الجوفاء التي تتمثل في مقولة "الطلب أكثر من العرض" أو "سأرفع أسوة بالآخرين"، أنت مثال حي للإنسانية!