-A +A
نجيب يماني
ونحن نتنسّم تباشير الذكرى السنوية لليوم الوطني، جاءت كلمة ولي العهد الأمين، التي ألقاها نيابة عن خادم الحرمين الشريفين - حفظهما الله، في مفتتح أعمال السنة الأولى من الدورة التاسعة لمجلس الشورى، لتبعث العديد من الرسائل المهمة، والإشارات البارقة، والبشارات المورقة، مرسّخة ما ثبت من مبادئ وقيم عرفت بها المملكة، وكاشفة عن حجم ما أنجز في المدة السابقة وفق ترتيبات «الرؤية» المباركة، وراسمة الأفق الذي تتطلع إليه المملكة في مستقبلها الوضيء المشرق..

فأي حبّ تحمله هذه القيادة الراشدة لشعبها، وأي اهتمام تنهض به شرفًا وعزيمة لصون كرامته، وضمان عيشه الكريم.. حبّ لا يكافئه إلا ولاء بغير رياء، واهتمام لا تعادله إلا طاعة تزيد العزم، وتقوّي من أواصر اللحمة الوطنية، والتلاحم الفريد بين القيادة والشعب، وإنها لرسالة يتعدّى صيتها حدود المملكة ويتردد صداها ليبلغ سمع العالم كله، خصّ بها «محمّد الخير» أعضاء الشورى تكليفًا واستشعارًا لعظيم الأدوار وغاياتها المرجوّة بقوله المشرق الوضيء: «.. ونحن على أعتاب دورة جديدة من أعمال مجلس الشورى، نؤكد أهمية دور المجلس في الارتقاء بأداء مؤسسات الدولة، ودوره الفعّال في تطوير الأنظمة وتحديثها، إلى جانب مهامه الرقابية ومتابعته المستمرة لتنفيذ الإستراتيجيات والخطط المعتمدة، منذ إطلاق رؤية المملكة 2030 والمواطن نصب أعيننا فهو عمادها وغايتها، وأي إنجاز يتحقق من خلال مظلتها الشاملة للمسارات المختلفة، هو رفعة للوطن ومنفعة للمواطن وحصانة - بإذن الله - للأجيال القادمة من التقلبات والتغيرات»..


ففي طوايا هذه الإشارة النيّرة تترسّخ المبادئ والأسس التي نهضت بها وعليها «الرؤية» من باصر الخطط، ومحكم الإستراتيجيات، الناهضة تنفيذًا منضبط المواقيت، ومحروسًا بالرقابة والمتابعة، والمستهدفة رفاهية المواطن وجودة حياته، مستشعرة في الوقت نفسه ضرورة تحصين الأجيال القادمة من التقلبات والتغيرات، وهنا مناط الوعي المتجاوز، و«الرؤية» القارئة للماضي بتبصّر حكيم، والمعايشة للواقع بترتيب منضبط قويم، والمستشرفة للمستقبل ببصيرة مدركة لحجم التحدي الجسيم، والذي لا سبيل إلى العبور إليه إلا بالمعرفة والعلم المتسق مع التطوّر المهول الذي تشهده الإنسانية في عصرها الحاضر، وهو عين ما أكد عليه سمو ولي العهد - سدّد الله خطاه - وهو يشير إلى «التعليم النوعي» بوصفه الترس الأهم في منظومة الحركة المستقبلية، في سياق قوله: «إننا نفخر بمنجزات المواطنين والمواطنات في مجالات الابتكار والعلوم، ونولي التعليم جلّ اهتمامنا ليكون نوعيًا يعزّز المعرفة والابتكار، ونعمل على بناء أجيال تتمتع بالتميز العلمي والمهارات العالية، وتحظى بكلّ الفرص لنيل تعليم رفيع».. إن هذه الإشارة من الأهمية بمكان؛ بحيث يجب أن تنقش على مداخل كلّ دور العلم عندنا في كافة المراحل، ويعيها كل مشتغل في هذا الحقل الحيوي والمهم، وليعلموا جميعًا أن الرهان عليهم يزداد كل يوم، ويتعاظم لإدراك حجم المتغيرات في المعرفة، وضرورة المواكبة والتطوير المستمر، والخروج بالتعليم من دوائر التكلّس والتلقين المفضي إلى تخريج موظفين تقليديين، منحصري الطموح ما بين الراتب والمعاش، إلى تعليم يقدح زناد العقل، ويحرّك ساكن العقول، ويستنهض همة البحث، ليكسب الوطن عقولًا قادرة على المساهمة في مجالات التقنية والابتكار والبحث الخلّاق الذي يسهم في حلّ التحديات الكونية، ويضع المملكة حيث يجب أن تكون، كفاء مجدها الحضاري التالد، وتوثّبها الباهر مع «الرؤية» المباركة، التي أنجزت فروضها على الوجه الأجلى، والصورة الأمثل، والإنجاز المدهش، والذي لخّص ولي العهد - حفظه الله - جوهر معانيه في قوله: «.. نلتقيكم اليوم وقد قطعنا أجزاءً من هذه الرحلة بخطوات ثابتة وعمل مستمر، نفخر فيها بتحقيق الكثير من المستهدفات على المستوى الوطني والدولي، وارتقت فيها المملكة درجات متقدمة في المؤشرات والتصنيفات الدولية، ونحن ماضون بتفاؤل وثقة في مواصلة الرحلة لتحقيق مستهدفاتنا، وفق منهج شامل وتكاملي يقوم على المراجعة الدقيقة وترتيب الأولويات».

فلا غرو إذاً أن تكون المحصلة من هذه «الرحلة» المباركة ما نشهده اليوم ونتوقعه مستقبلًا من إنجازات عصيّة على التجاوز، بما أشار إليه الأمير محمد قائلًا: «إن المملكة اليوم نتيجة منجزاتها ورؤيتها، تحظى بثقة عالمية جعلت منها إحدى الوجهات الأولى للمراكز العالمية والشركات الكبرى، وفي مقدمتها افتتاح المركز الإقليمي لصندوق النقد الدولي، ومراكز لنشاطات دولية متعددة في الرياضة والاستثمار والثقافة وبوابة تواصل حضاري، مما أسهم في اختيارها لاستضافة إكسبو 2030 وتستعد اليوم لتنظيم كأس العالم عام 2034»..

إن من العسير الذي يبلغ حدّ الاستحالة أن يحيط مقال بالمعاني الخُرّد، والمضامين البوارق، والرسائل البالجة، التي تضمنتها كلمة ولي العهد الأمين تحت قبة الشورى يوم الأربعاء الماضي، فقد رسمت كلمته ملامح المستقبل بشكل واضح، وبعثت برسائل الاطمئنان للعالم أجمع بتأكيد حرص المملكة على «السعي المشترك إلى مستقبل أفضل مبني على التعاون المثمر بين الدول والشعوب، واحترام استقلالية الدول وقيمها والأخذ بمبدأ حسن الجوار، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتجنب اللجوء إلى القوة في حل النزاعات»، والتأكيد كذلك على موقفها الثابت والواضح من القضية الفلسطينية، وكافة القضايا الشائكة التي يشهدها عالمنا العربي والإسلامي على وجه التحديد، بما يؤكد مركزية المملكة واهتمامها المتعاظم بالأمن العربي وقضايا الأمة الإسلامية.. وهو مبعث فخرنا، ومصدر تيهنا بوطن يحتضن أقدس الأماكن طرًّا، وقيادة نمحضها الولاء حبًّا، والطاعة واجبًا، وندعو لها بموفور الصحة، وتمام العافية، وتسديد الخطى نحو أعلى مراتب الرفعة والسمو والمجد المنيف.

وكل عام ووطننا في خير وتقدم ورفعة وأمن وأمان.