-A +A
حمود أبو طالب
خلال أربع دقائق لا أكثر ألقى سمو وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان كلمة المملكة في قمة المستقبل، المنعقدة ضمن أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها الـ79، لكن تلك الدقائق القليلة كانت كافية لتوضيح مواقف المملكة ورؤيتها تجاه القضايا المطروحة والملفات المعروضة في هذه القمة بلغة مباشرة لا تكتنفها المواربة والمجاملة. صحيح أنها لغة دبلوماسية عالية، لكنها ليست من النوع الذي يتحرج من تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية، أو يتردد في الإشارة إلى الخلل في عمل المنظومة الدولية.

في أواخر سبتمبر من كل عام تعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة، بحضور زعماء العالم أو من يمثلهم لمناقشة القضايا العالمية البارزة، في هذه الدورة أرادت الجمعية عقد قمة لمناقشة المستقبل ووضع ميثاق له، يمثل خارطة طريق أو دليل استرشادي لعالم متعدد الأطراف تتحقق فيه التنمية البشرية المتوازنة المستدامة، وهذا شيء جميل وتطلع نبيل، لكن أنّى له أن يتحقق في ظل الأوضاع العالمية الراهنة وعجز المنظمات والمؤسسات الدولية عن إصلاحها. هذا المعنى هو لب كلمة المملكة التي قال فيها الأمير فيصل «نأمل أن يعيد ميثاق المستقبل المجتمع الدولي إلى مبادئه الأساسية وقوانينه وأعرافه الجامعة، بعيداً عن الحروب والتوترات الجيوسياسية التي ضاعفت من فجوات التنمية بين الدول وأضعفت الروابط بين الشعوب وأضرت بمصداقية المؤسسات الدولية. ونتطلع أن يشكل الميثاق نقلة نوعية في العمل المتعدد، يسهم في إرساء نظام دولي منصف وسريع التجاوب يحفز سرعة تحقيق أهداف التنمية المستدامة ويلبي احتياجات كافة الدول». ولتحقيق ذلك أكد الأمير فيصل أن «إصلاح منظومة الأمم المتحدة أصبح حاجة ملحة»، واستشهد على ذلك بفشل المؤسسات الدولية في إنهاء كارثة فلسطين، وكذلك الإخفاقات الدولية في إحلال السلام في العالم، وتحديداً إنهاء الصراع في الشرق الأوسط.


المملكة كعضو مؤسس لميثاق الأمم المتحدة تعرف ما يدور في هذه المنظمة منذ تأسيسها، وطبيعة أدائها في مواجهة الأزمات العالمية المتعددة، وكدولة ساعية وراعية للسلام والاستقرار والتنمية تعرف جيداً أن هذه الغايات لن تتحقق في ظل التناقضات وازدواجية المعايير والانحيازات التي تمارسها المؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، ولذلك جاء تأكيدها واضحاً للعالم أنه لابد من معالجة الأسباب الجذرية وليس الأعراض والظواهر.