-A +A
نجيب عصام يماني
لم يبقَ من عِداد الأيّام إلا قليلها وتدلف المملكة العربية السعودية، بكلّ ثقة واقتدار إلى نادي الدول المستفيدة من الطاقة الذرية وتطبيقاتها الإشعاعية للأغراض السلمية، وفق ما أعلن عنه وبشّر به صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة، رئيس مجلس إدارة مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، رئيس مجلس إدارة هيئة الرقابة النووية والإشعاعية، عقب حضوره للدورة الـ(68) للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي انعقد في العاصمة النمساوية فيينا مؤخرًا.

حيث أشار سموّه إلى أن المملكة ماضية في تنفيذ مشروعها الوطني للطاقة النووية بجميع مكوناته، ومن ذلك بناء أول محطة للطاقة النووية، وأنها تقدمت للوكالة الدولية للطاقة الذرية في يوليو الماضي بطلب إيقاف بروتوكول الكميات الصغيرة، والتحول إلى التطبيق الكامل لاتفاق الضمانات، وأنها تعمل حاليًا مع الوكالة على الانتهاء من الإجراءات الفرعية للإيقاف الفعلي لبروتوكول الكميات الصغيرة بنهاية شهر ديسمبر المقبل، بما يعني أن المملكة ستستشرف مطلع العام 2025م بإضافة نوعية جديدة في منظومة الطاقة، تمكّنها من المحافظة على موقعها الريادي في سوق الطاقة، بما ينسجم مع مكانتها الاقتصادية، ورؤيتها المستقبلية.


ولأن الطاقة النووية دون سائر أنواع الطاقة تتقاطع في متحركات الاستفادة منها نوازع مختلفة المشارب، ومتعددة الأغراض، وتحوطها محاذير في الخطورة غاية، من حيث الانحراف بها عن المسار السلمي إلى الحربي، فقد جاء التطمين من الجانب السعودي بتقديم كافة الضمانات لاستخدامها بشكل إيجابي، بالتأكيد على أهمية منظومة الأمن والأمان النوويين، بل زادت في التشديد على أن «مسؤولية الحفاظ على هذه المنظومة داخل أي دولة تقع بشكل كامل على عاتق الدولة وفقًا لمتطلباتها الوطنية والتزاماتها الدولية»، ومعلنة كذلك «أنها تتجه نحو الاستفادة من الطاقة النووية وتطبيقاتها الإشعاعية للأغراض السلمية نظرًا لأهمية دورها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية»..

إن هذه التطمينات التي بعثت بها المملكة للمجتمع الدولي لا بد وأنها تكتسب صدقية عالية، وتقع في الوعي العالمي موقع الاطمئنان الكامل، بالنظر إلى تاريخ المملكة منذ نشأتها، والمسؤولية التي تضطلع بها في إرساء قواعد الأمن والسلم الدوليين، وإسهامها المستمر في نزع فتيل الأزمة، وإطفاء بؤر الحريق أينما اندلعت، وهي بهذا الصنيع تقدم النموذج العملي لماهية الدولة التي تحترم المواثيق والعهود، ويكون لكلمتها مثقال الصدق والرجحان متى ما أعلنت أمرًا، فهي عند كلمتها، وهو ما ينطبق على موقفها من استخدام الطاقة النووية في جانبها السلمي، وهو عين ما أكد عليه سمو وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز في الاجتماع المشار إليه بقوله: «إن المملكة تؤكد استمرارها بالالتزام بالمتطلبات الدولية الملزمة قانونًا ذات العلاقة بمشروعها الوطني للطاقة النووية، كما أن أنظمتها الوطنية وبنيتها المؤسسية تحقق متطلبات الرقابة على المواد النووية والتقنية ومراقبة الصادرات بما يتوافق مع التزاماتها ويفي بدورها الهام في المنظومة الدولية لمنع الانتشار»..

ومضت المملكة أبعد من ذلك بعزمها استضافة مؤتمر دولي للطوارئ النووية تنظمه الوكالة في نهاية عام 2025 في الرياض، الغاية منه تقديم إضافة نوعية لتكامل الجهود الدولية في مواجهة الطوارئ النووية والإشعاعية، بما ينسجم مع توجهات وكالة الطاقة الذرية ويدعم خطها الذي تركّز عليه، وبهذا الصنيع ترفع المملكة من وعيها في هذا الجانب قبل دخوله بشكل رسمي.

كما تجب الإشارة إلى أن ترتيبات المملكة لمرحلة دخولها إلى النادي النووي قد شملت أيضًا إيداعها صك انضمامها لاتفاقية امتيازات وحصانات الوكالة، بما يعني ضمنًا التزامها بالوثائق الدولية ذات العلاقة بالمجالات النووية، وما يتعلّق بالأمن والأمان والضمانات في هذا الجانب.

حمادى القول وصفوته، إن المملكة وهي تتأهب لدخول النادي النووي، تضع قدمًا في مجال المحافظة على البيئة، محلّيًا وعالميًا، بوصفها أحد أهم المرتكزات التي قامت عليها «رؤية 2030»، وعملت على تفعيلها بطرح مبادرتي «السعودية الخضراء»، و«الشرق الأوسط الأخضر»، وتوجهها نحو استخدام الطاقة النظيفة في مسيرتها التنموية، وتنويع مصادر الطاقة بما يحررها من قبضة الارتهان للطاقة التقليدية، وما تنطوي عليه من إشكالات بيئية قد تجعلها متأرجحة في سوق الطاقة مستقبلًا، فبهذا التوجّه ستضمن المملكة ريادتها في عالم الطاقة، ومكانتها الاقتصادية، وهو توجّه يقتضي أن يواكبه مسار أكاديمي في دور تعليمنا العالي، يفجر الطاقات، ويشحذ الهمم، ويحرّك العقول الشابة، لتخرّج لنا كوادر سعودية قادرة على حمل هذه الأمانة، وإدارة منظومة الطاقة الذرية لدينا بأكفأ ما تكون الإدارة والتشغيل.. وعشت يا وطني!