لا يمكن تجاهل النظام العالمي القائم، عند محاولة فهم ما يجري في منطقة معينة، من تطورات وأحداث سياسية. ولشدة تنافس أقطاب النظام العالمي على المنطقة العربية، فإن كثيراً مما يجرى، يحمل في طيّاته سياسة هذا القطب، أو ذاك، وكأن عصر الاستقلال قد زال. انتهى زمن الانفراد الأمريكي، وتحول النظام العالمي إلى نظام متعدد الأقطاب (أمريكا، الصين، روسيا). ويمكن استنباط سياسة كل قطب تجاه المنطقة، مستخدمين إطار الأهداف/الوسائل، كما فعلنا عند الحديث عن أمريكا، وسياستها تجاه المنطقة. ونستنبط سياسة كلٍّ من الصين وروسيا، باستخدام نفس الإطار/ المدخل.
مع صعود الصين، كدولة عظمى، واحتياجها المؤكد لاستيراد الطاقة، وبعض المواد الخام، وضمان سوق واسع لتصريف منتجاتها المختلفة، كان لا بد أن تهتم الصين بالعالم العربي، وبخاصة منطقة الخليج. وهي تدرك تماماً أهمية هذه المنطقة، والتنافس الدولي الشرس على بسط النفوذ فيها، خاصة من قِبل الدولة العظمى الأولى؛ أمريكا، وبقية الدول الكبرى: بريطانيا، فرنسا، روسيا، بخاصة.
ويمكن أن نلخص فيما يلي السياسة الصينية الحالية نحو منطقة الخليج، بصفة خاصة، والعالم العربي، بصفة عامة، في هدفين رئيسين، هما:
– تثبيت أقدام الصين بالمنطقة: إن «محور» السياسة الصينية تجاه منطقة الخليج العربية يتركز في: محاولة الصين ضمان انسياب مستورداتها من النفط والطاقة من دول الخليج، وبأقل تكلفة ممكنة. علماً بأن الصين تستورد ما نسبته 18.6% من إجمالي استيراد العالم من النفط. وفي نفس الوقت، تسعى الصين لضمان سوق واسع ومغرٍ لتصريف المنتجات الصينية المختلفة. وهذا لا يمكن أن يتحقق، على المدى الطويل، إلا عبر الوسائل التي تتبعها الصين؛ ومنها: دعم العلاقات الصينية مع دول المنطقة. وسنوجز هذه الوسائل أدناه:
- محاولة تقليص النفوذ الغربي بالمنطقة، وخاصة النفوذ الأمريكي فيها: وتلك مهمة يصعب تحقيقها، في ظل التغلغل الغربي العميق بالمنطقة، ووجود «مصالح» أمريكية/غربية هائلة فيها. لذلك، يتوقع أن تكون هذه المنطقة إحدى بؤر الصراع البارد والساخن بين العملاقين الأمريكي والصيني. ويبدو أن اللعبة الصينية – الأمريكية بمنطقة الخليج نتيجتها غالباً «صفرية». فما تكسبه الصين بالمنطقة، تخسره أمريكا، والعكس صحيح.
وهناك احتمال أن يحصل بين الطرفين، الصيني والأمريكي، نوع من التفاهم.. بحيث يترك للصين المجال الاقتصادي فقط، ويبقى المجال السياسي والاستراتيجي لأمريكا. ولكن هذا الاحتمال ضئيل، بسبب صعوبة الفصل بين الاقتصادي والسياسي.
****
ولتحقيق هذه الأهداف، تستخدم الصين الوسائل التالية:
- تدعيم علاقات الصين بدول المنطقة: عبر عقد اتفاقيات التعاون الاستراتيجي بين الصين، وكثير من دول المنطقة. وكذلك مشاريع تنمية البنى التحتية، وإقامة المشاريع العملاقة التي تسهم في ازدهار المنطقة، وتطورها. ومن ذلك: السعي لإقامة «طريق الحرير»، وغيره.
في عام 2013م، قدَّم الرئيس الصيني شي جين بيغ، أثناء زيارته لدولة كازاخستان، المبادرة الصينية التي تسمى: الحزام الاقتصادي وطريق الحرير البحري، للقرن الواحد والعشرين، القائم على فكرة طريق الحرير الذي وجد في القرن التاسع عشر. والمبادرة تهدف إلى: تحقيق مصالح الصين وشركائها، الاقتصادية والاستراتيجية، عبر ربطهم بشبكة مواصلات كبرى ميسرة. وتغطي هذه المبادرة، التي بدئ بالفعل في تنفيذها، دول الخليج العربية. ومن المتوقع أن تكتمل بحلول عام 2049م.
- الإحجام عن التدخل في الشؤون السياسية لدول المنطقة: وذلك يتضمن عدم فتح الملفات التي لا ترغب دول المنطقة فتحها.
- المحاولة المتواصلة لزيادة التبادل الاقتصادي والتجاري بين الصين، ودول المنطقة: ومنذ عام 2017م، بدأ حجم التجارة الصينية مع العالم العربي يتصاعد، ويفوق حجم تجارة الولايات المتحدة مع العالم العربي. إذ بلغ حجم التجارة الصينية مع الدول العربية 171 مليار دولار، منها 101 مليار قيمة صادرات صينية، و70 مليار دولار قيمة واردات من الدول العربية للصين. بينما بلغت صادرات أمريكا للدول العربية في نفس العام 60.4 مليار دولار.
- اتخاذ بعض السياسات الداعمة لبعض القضايا العربية الملحة: ومن ذلك: تأييد الصين للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. ومعروف، أن أول من اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية، من غير العرب، هي الصين. ولم تكتف بذلك، بل دعمت المنظمة بالأسلحة، وبتدريب عناصرها المقاومة. ولم تقم الصين علاقات مع إسرائيل إلا عام 1992م، وتحت الضغوط الأمريكية، وبعد مؤتمر مدريد المنعقد عام 1991م.
****
بالنسبة لروسيا، لولا قوتها، وامتلاكها لترسانة هائلة من السلاح النووي، لأصبحت مجرد دولة نامية. ولكن إمكانات روسيا جعلتها تنافس على قمة العالم الاقتصادية - السياسية، محاولة أن تصبح إحدى القوى العظمى التي تشكل نظاماً دولياً من أقطاب متعددة (أمريكا، الصين، روسيا). إن العلاقة بين روسيا والغرب المتنفذ يسود فيها الصراع، أكثر من التعاون. وآخر مظاهر هذا الصراع هي: العقوبات الاقتصادية الغربية التي فرضت على روسيا، بسبب اجتياحها لأوكرانيا، وضم أجزاء منها.
ورغم ذلك، فإن هناك كثيراً من المصالح المشتركة التي تجمع بين روسيا والدول الغربية الكبرى، إضافة لتشابه الموقف تجاه كثير من القضايا ذات الاهتمام المشترك. لولا قوة روسيا، وسلاحها النووي، لما استطاعت أن تنافس على قمة العالم الاقتصادية - السياسية، لتصبح إحدى القوى العظمى التي تشكل نظاماً دولياً من أقطاب متعددة (أمريكا، الصين، روسيا).
وبالإمكان معرفة السياسة الخارجية الروسية، نحو منطقة الخليج، عبر مدخل الأهداف/ الوسائل. وسيتبين أن روسيا تعتبر هذه المنطقة مهمة جدا، للعالم ككل، وللأقطاب.، بصفة خاصة. وسيتبين أن روسيا تحرص من قديم على التواجد بالمنطقة، وأن تكون لها قواعد عسكرية. وهذا هو الحاصل فعلاً.
****
إن مجرد تواجد الصين بالمنطقة، بهذا الزخم الاقتصادي، يثير التوتر مع بعض القوى الدولية، وبخاصة الولايات المتحدة. ويتوقع أن يتفاقم هذا التوتر كلما توثقت علاقات الصين بدول المنطقة، واستتب نفوذها. الأمر الذي قد يدفع لحصول بعض الاحتمالات الصراعية الجذرية، في مسار السياسة الدولية بالمنطقة العربية. ومن ذلك، احتمال قيام تحالف صيني- روسي، يقلب توازن القوى بالعالم رأساً على عقب. ورغم ذلك، فإن محاولات الصين لتوثيق علاقاتها بدول المنطقة العربية، وكذلك روسيا، ربما تدفعهما للوقوف إلى جانب قضايا العرب العادلة.
يتمنى المواطن العربي، ولا شك، خدمة مصالح بلده وأمته الحقيقية، ورعاية توجهها العقائدي، ويتمنى لبلاده التمكين والنصر. ومن المؤسف، بالنسبة للعرب، أن يروا بأن نتيجة هذا الصراع حتى الآن (نوفمبر 2024م) تميل لصالح أعداء الأمة. ما زال من يقاوم ضعيفاً ومتخبطاً ومحارباً، بينما التحالف المضاد أقوى مادياً -وبكثير- على الساحتين الإقليمية والعالمية، بل ومعظم الساحات المحلية في أغلب بلاد المنطقة، وليس في كلها. ولكن هذه الحرب (المكونة من عدة معارك) لم تحسم نهائياً بعد... فما زال هناك بصيص أمل خافت، أمام المقاومين للظلم والهيمنة البغيضة.
مع صعود الصين، كدولة عظمى، واحتياجها المؤكد لاستيراد الطاقة، وبعض المواد الخام، وضمان سوق واسع لتصريف منتجاتها المختلفة، كان لا بد أن تهتم الصين بالعالم العربي، وبخاصة منطقة الخليج. وهي تدرك تماماً أهمية هذه المنطقة، والتنافس الدولي الشرس على بسط النفوذ فيها، خاصة من قِبل الدولة العظمى الأولى؛ أمريكا، وبقية الدول الكبرى: بريطانيا، فرنسا، روسيا، بخاصة.
ويمكن أن نلخص فيما يلي السياسة الصينية الحالية نحو منطقة الخليج، بصفة خاصة، والعالم العربي، بصفة عامة، في هدفين رئيسين، هما:
– تثبيت أقدام الصين بالمنطقة: إن «محور» السياسة الصينية تجاه منطقة الخليج العربية يتركز في: محاولة الصين ضمان انسياب مستورداتها من النفط والطاقة من دول الخليج، وبأقل تكلفة ممكنة. علماً بأن الصين تستورد ما نسبته 18.6% من إجمالي استيراد العالم من النفط. وفي نفس الوقت، تسعى الصين لضمان سوق واسع ومغرٍ لتصريف المنتجات الصينية المختلفة. وهذا لا يمكن أن يتحقق، على المدى الطويل، إلا عبر الوسائل التي تتبعها الصين؛ ومنها: دعم العلاقات الصينية مع دول المنطقة. وسنوجز هذه الوسائل أدناه:
- محاولة تقليص النفوذ الغربي بالمنطقة، وخاصة النفوذ الأمريكي فيها: وتلك مهمة يصعب تحقيقها، في ظل التغلغل الغربي العميق بالمنطقة، ووجود «مصالح» أمريكية/غربية هائلة فيها. لذلك، يتوقع أن تكون هذه المنطقة إحدى بؤر الصراع البارد والساخن بين العملاقين الأمريكي والصيني. ويبدو أن اللعبة الصينية – الأمريكية بمنطقة الخليج نتيجتها غالباً «صفرية». فما تكسبه الصين بالمنطقة، تخسره أمريكا، والعكس صحيح.
وهناك احتمال أن يحصل بين الطرفين، الصيني والأمريكي، نوع من التفاهم.. بحيث يترك للصين المجال الاقتصادي فقط، ويبقى المجال السياسي والاستراتيجي لأمريكا. ولكن هذا الاحتمال ضئيل، بسبب صعوبة الفصل بين الاقتصادي والسياسي.
****
ولتحقيق هذه الأهداف، تستخدم الصين الوسائل التالية:
- تدعيم علاقات الصين بدول المنطقة: عبر عقد اتفاقيات التعاون الاستراتيجي بين الصين، وكثير من دول المنطقة. وكذلك مشاريع تنمية البنى التحتية، وإقامة المشاريع العملاقة التي تسهم في ازدهار المنطقة، وتطورها. ومن ذلك: السعي لإقامة «طريق الحرير»، وغيره.
في عام 2013م، قدَّم الرئيس الصيني شي جين بيغ، أثناء زيارته لدولة كازاخستان، المبادرة الصينية التي تسمى: الحزام الاقتصادي وطريق الحرير البحري، للقرن الواحد والعشرين، القائم على فكرة طريق الحرير الذي وجد في القرن التاسع عشر. والمبادرة تهدف إلى: تحقيق مصالح الصين وشركائها، الاقتصادية والاستراتيجية، عبر ربطهم بشبكة مواصلات كبرى ميسرة. وتغطي هذه المبادرة، التي بدئ بالفعل في تنفيذها، دول الخليج العربية. ومن المتوقع أن تكتمل بحلول عام 2049م.
- الإحجام عن التدخل في الشؤون السياسية لدول المنطقة: وذلك يتضمن عدم فتح الملفات التي لا ترغب دول المنطقة فتحها.
- المحاولة المتواصلة لزيادة التبادل الاقتصادي والتجاري بين الصين، ودول المنطقة: ومنذ عام 2017م، بدأ حجم التجارة الصينية مع العالم العربي يتصاعد، ويفوق حجم تجارة الولايات المتحدة مع العالم العربي. إذ بلغ حجم التجارة الصينية مع الدول العربية 171 مليار دولار، منها 101 مليار قيمة صادرات صينية، و70 مليار دولار قيمة واردات من الدول العربية للصين. بينما بلغت صادرات أمريكا للدول العربية في نفس العام 60.4 مليار دولار.
- اتخاذ بعض السياسات الداعمة لبعض القضايا العربية الملحة: ومن ذلك: تأييد الصين للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. ومعروف، أن أول من اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية، من غير العرب، هي الصين. ولم تكتف بذلك، بل دعمت المنظمة بالأسلحة، وبتدريب عناصرها المقاومة. ولم تقم الصين علاقات مع إسرائيل إلا عام 1992م، وتحت الضغوط الأمريكية، وبعد مؤتمر مدريد المنعقد عام 1991م.
****
بالنسبة لروسيا، لولا قوتها، وامتلاكها لترسانة هائلة من السلاح النووي، لأصبحت مجرد دولة نامية. ولكن إمكانات روسيا جعلتها تنافس على قمة العالم الاقتصادية - السياسية، محاولة أن تصبح إحدى القوى العظمى التي تشكل نظاماً دولياً من أقطاب متعددة (أمريكا، الصين، روسيا). إن العلاقة بين روسيا والغرب المتنفذ يسود فيها الصراع، أكثر من التعاون. وآخر مظاهر هذا الصراع هي: العقوبات الاقتصادية الغربية التي فرضت على روسيا، بسبب اجتياحها لأوكرانيا، وضم أجزاء منها.
ورغم ذلك، فإن هناك كثيراً من المصالح المشتركة التي تجمع بين روسيا والدول الغربية الكبرى، إضافة لتشابه الموقف تجاه كثير من القضايا ذات الاهتمام المشترك. لولا قوة روسيا، وسلاحها النووي، لما استطاعت أن تنافس على قمة العالم الاقتصادية - السياسية، لتصبح إحدى القوى العظمى التي تشكل نظاماً دولياً من أقطاب متعددة (أمريكا، الصين، روسيا).
وبالإمكان معرفة السياسة الخارجية الروسية، نحو منطقة الخليج، عبر مدخل الأهداف/ الوسائل. وسيتبين أن روسيا تعتبر هذه المنطقة مهمة جدا، للعالم ككل، وللأقطاب.، بصفة خاصة. وسيتبين أن روسيا تحرص من قديم على التواجد بالمنطقة، وأن تكون لها قواعد عسكرية. وهذا هو الحاصل فعلاً.
****
إن مجرد تواجد الصين بالمنطقة، بهذا الزخم الاقتصادي، يثير التوتر مع بعض القوى الدولية، وبخاصة الولايات المتحدة. ويتوقع أن يتفاقم هذا التوتر كلما توثقت علاقات الصين بدول المنطقة، واستتب نفوذها. الأمر الذي قد يدفع لحصول بعض الاحتمالات الصراعية الجذرية، في مسار السياسة الدولية بالمنطقة العربية. ومن ذلك، احتمال قيام تحالف صيني- روسي، يقلب توازن القوى بالعالم رأساً على عقب. ورغم ذلك، فإن محاولات الصين لتوثيق علاقاتها بدول المنطقة العربية، وكذلك روسيا، ربما تدفعهما للوقوف إلى جانب قضايا العرب العادلة.
يتمنى المواطن العربي، ولا شك، خدمة مصالح بلده وأمته الحقيقية، ورعاية توجهها العقائدي، ويتمنى لبلاده التمكين والنصر. ومن المؤسف، بالنسبة للعرب، أن يروا بأن نتيجة هذا الصراع حتى الآن (نوفمبر 2024م) تميل لصالح أعداء الأمة. ما زال من يقاوم ضعيفاً ومتخبطاً ومحارباً، بينما التحالف المضاد أقوى مادياً -وبكثير- على الساحتين الإقليمية والعالمية، بل ومعظم الساحات المحلية في أغلب بلاد المنطقة، وليس في كلها. ولكن هذه الحرب (المكونة من عدة معارك) لم تحسم نهائياً بعد... فما زال هناك بصيص أمل خافت، أمام المقاومين للظلم والهيمنة البغيضة.