-A +A
خالد السليمان
المدن مثل البشر تسمع وترى وتتكلم.. لها شخصيتها المميزة، وروحها النابضة بالحياة، أكثر من مجرد مجموعة من المباني والشوارع، فهي تشبه الكائنات الحية تتطور وتتغير مع مرور الزمن، كل مدينة تحمل في طياتها تاريخاً وحضارة وثقافة فريدة، تجعلها تمتلك شخصية مميزة وهوية لا تشبه غيرها.. مهما طال الزمن !

من يريد أن يتعرف على «شخصية المدن» وروحها المفعمة بالحياة عن قرب، عليه أن يستقل سيارته لمدة 15 دقيقة فقط من الرياض، ليذهب إلى مدينة الدرعية «قلب السعودية النابض»، التي تشهد أكبر عملية تحول بالعالم، من خلال استثمارات عملاقة تتجاوز 236 مليار ريال تقودها شركة الدرعية المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، والتي حولت بعض المواقع إلى ورشة عمل لا تنام، وفتحت في الوقت نفسه أبواب المدينة ومزاراتها الثقافية والسياحية والتراثية أمام السياح من شتى بقاع العالم !


الدرعية ليست مجرد مدينة تاريخية تحافظ على الاستدامة فقط، وليست مجرد مدينة ذكية متكاملة تمزج بين الماضي والحاضر والمستقبل، وليست مجرد وجهة سياحية عالمية تمثل المستقبل الزاهر للقطاع الواعد، بل هي أيقونة تجسد عمق الوطن، تعكس بمبانيها النجدية الفاخرة ومواقعها التراثية العريقة ـ التي يمتد بعضها إلى أكثر من 600 عام ـ روح الانتماء والوحدة والابتكار !

خلال عام واحد فقط.. استقبلت الدرعية أكثر من مليوني زائر، بعدما افتتحت حي الطريف «أحد المواقع المسجلة على قائمة اليونسكو»، ومطل البجيري، وتسارع الخطوات تحقيق طموحاتها بالوصول إلى 50 مليون زيارة سنوياً في عام 2030، حيث ستكون وقتها أكملت بناء 40 فندقاً عالمياً، و18 ألف وحدة سكنية، و9 متاحف، و31 مسجداً، و8 حدائق عامة، ودار للأوبرا الملكية، وموقف سيارات يتسع لـ60 ألف سيارة، وحينها سيرتفع عدد سكانها إلى أكثر من 100 ألف شخص !

الدرعية بشخصيتها التاريخية والثقافية التي اكتسبتها منذ أن كانت عاصمة للدولة السعودية الأولى عام 1727م، تعكس ثقافتنا وهويتنا الوطنية، وتتميز عن غيرها من المشاريع المحلية العملاقة أنها تبني نموذجاً فريداً من نوعه، حتى تكون المركز الاستراتيجي للمملكة و«مدينة داخل مدينة»، بل تمثل نموذجاً عالمياً حياً على استدامة المدن الثقافية والتاريخية.. وتطورها لتواكب التكنولوجيا الحديثة ممزوجة بأصالة الماضي !

باختصار.. الدرعية ليست مجرد مكان، بل هي قصة، هي هوية، هي مستقبل.. تلهمنا جميعاً للاعتزاز بتاريخنا، والعمل على بناء مستقبل تاريخي أفضل لأجيالنا القادمة !