-A +A
حسين شبكشي
في بداية السبعينات الميلادية من القرن الماضي صدر كتاب مهم جداً للكاتب والمفكر الأمريكي زبيجنيو بريجنسكي، والذي أصبح مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي جيمي كارتر، يوضح العلاقة بين التقنية والديموقراطية. ولم يلتفت لهذا الطرح سوى قلة قليلة جداً تعمل في مراكز صناعة القرار وبعض مراكز البحث الإستراتيجي في الجامعات الأمريكية. وتمضي الأيام والسنوات ليظهر الأثر العملي لهذه الفكرة من خلال الاستخدام المكثف لمختلف منصات التواصل الاجتماعي خلال فترة ما عرف بالربيع العربي. وكان استخدام التقنية في الربيع العربي بمثابة تجربة للاستفادة منها في تطبيقها بشكل أوسع في كل من الصين وروسيا، وهي المسألة التي فطن لها المسؤولون في الدولتين وبدأوا في إجراءات حجب ومنع وصد ومراقبة منصات التواصل الاجتماعي بشكل عام.

يحاول عدد غير بسيط من المحللين المقارنة بين الثورة الصناعية التي حصلت في القرن الثامن عشر والثورة التقنية التي تتضمن الإنترنت والهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي؛ لأن الثورة التقنية تضم في دواخلها سلسلة مهمة من الثورات المصغرة لعل أهمها الثورة الإلكترونية التي حطت بالعالم إلى كوكب الذكاء الاصطناعي. وهذا الأمر يطرح سؤالاً مهماً وملحاً: من المستفيد الأعظم من هذا التحول الهائل؟ في البدايات الأولية كانت الإجابة المقدمة أن ما يحصل هو لصالح عامة الناس؛ لأنه بالانفتاح الكبير على الفضاء الوسيع من البديهي أن تتعدد الخيارات وتنخفض التكاليف والتي أصبحت أقرب للمجانية بعد أن كانت تكاليف لا يتحملها إلا النخبة المقتدرة.


هذه النوعية من التقنية مكّنت أصحاب الفكرة والإبداع من نشر كتبهم وبيع منتجاتهم ومتابعة فرقهم الرياضية وملاحقة نجومهم المفضلة في عوالم الترفيه.

وكل المخاوف من قدرة مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة على نشر الفوضى تبيّن لاحقاً أنها سطحية وساذجة، إذ اتضح أن للسلطات المقدرة على التحكم والسيطرة والتأثير، ولعل أبلغ مثال على صحة ذلك ما قامت به الصين بفرض سلطاتها وشروطها على كبرى شركات التقنية مثل غوغل وفيسبوك بأن يكون «الخادم» في الصين، وأن تكون كافة الأدوات المستخدمة صينية الصنع. مما يعني أن الصين بذلك تكون سيطرت على المضمون.

بيد أن مشكلة جديدة برزت أمام السلطات، تكمن في الحجم الهائل من المعلومات التي تحصل عليها في مختلف أنحاء العالم، من بينها معلومات بالغة الأهمية، لكنها تضيع في بحر المعلومات الأخرى. ففيما يخص هجمات نيويورك وواشنطن في عام 2001، تبيّن أنه توافرت للأجهزة الأمنية معلومات بالغة الدقة عن الذين قاموا بالعملية، لكنها كانت ضائعة.

من هنا، يأتي دور الذكاء الاصطناعي الذي جاء لينقذ السلطات من طوفان المعلومات. إضافة إلى ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي أدّى إلى تطور هائل في إدارة الحروب. ففي غزة وجنوب لبنان، استخدمته إسرائيل بشكل مكثّف، واعتمدت في لبنان على «الداتا الكبرى» (Big Data)، التي تمتلكها عن أصحاب السيارات ولوحاتها لتحديد هوية الأشخاص المستهدَفين. كذلك تتعين الإشارة إلى دور الذكاء الاصطناعي في حرب المسيَّرات، بحيث نشهد اليوم تغيراً جذرياً في إدارة الحروب، وما لها من انعكاسات. في أي حال، فإن للذكاء الاصطناعي تطبيقات متنوعة على جميع الصعد، وسيقوى دوره أكثر فأكثر مستقبلاً.