-A +A
عبداللطيف آل الشيخ
في عصر يتجاوز فيه الإنسان الحدود الفيزيائية بفضل التكنولوجيا، يجد الباحث عن الحقيقة نفسه واقفاً أمام سؤال جوهري: ما هو الواقع في زمن يمكن فيه تشكيل الحقائق بضغطة زر على شاشة مضيئة؟!

العالم الافتراضي، بكل تعقيداته وجمالياته، قد أصبح مرآة للنفس البشرية، مكاناً يعكس ليس فقط الأفكار بل وأيضًا التوقعات والأحلام.


إن الواقعية التي كانت تسعى لتصوير الحياة بدقة وواقعية دون مثاليات، تجد نفسها اليوم مطالبة بتجسيد عالم يتداخل فيه الحقيقي بالافتراضي!

هذا العالم ليس مجرد إطار للتواصل، بل هو بيئة تتشكل باستمرار بفعل تفاعلات من يعيشون فيه!

هنا، يصبح الإنسان الواقعي موضوعًا وفاعلًا في نسيج يتداخل فيه الواقع بالخيال بطرق لم يكن يتصورها الفلاسفة في عصور سابقة.

في هذا العالم، يخلق الإنسان نسخة من نفسه، ربما أكثر جاذبية أو أكثر قوة أو حتى أكثر صدقًا مما هو عليه في الواقع، ولكن في هذا البحث عن الذات، يطرح السؤال نفسه: هل يفقد الإنسان جوهره الأصيل في هذه الرحلة الافتراضية؟!

هل يصبح الحلم الجميل الذي نعيشه في هذا العالم الافتراضي مجرد وهم يخدرنا عن الحياة الواقعية ؟!

هل يمكن أن يكون بوابة لاكتشاف جوانب من الذات لم تكن لتظهر من دون هذا الفضاء الرحب والمتجدد؟!

العالم الافتراضي يطرح تحدياته الخاصة، حيث تتفاقم الوحدة بينما تزداد العلاقات الافتراضية، وهنا يتحول الإنسان إلى مخلوق يعيش في لحظات متقطعة من الاتصال، حيث تبدو العلاقات سطحية إلا أنها تلبي حاجة إلى التواصل والتفاعل.

هذه العلاقات رغم سطحيتها تكشف عن جوانب من الإنسانية قد تكون مخفية في الحياة الواقعية كالحاجة إلى القبول والبحث عن الهوية والتعبير عن الذات بطرق لا تحدها الحواجز الاجتماعية.

في هذا السياق، يبرز الجدل حول ما إذا كان العالم الافتراضي يعزز من الوحدة أو يقدم فرصة للتواصل الحقيقي.

هل هو مجرد وهم يخدعنا؟! أم هو مساحة جديدة للإبداع والتفاعل الإنساني؟!

يبقى السؤال مفتوحاً، لأن كيفية تفاعل الإنسان مع هذا العالم يعكس بوضوح مدى قدرته على التكيّف، وربما على إعادة تعريف ما يعنيه أن يكون إنساناً في عصر التكنولوجيا.

إن البحث عن الواقع في العالم الافتراضي ليس مجرد رحلة فلسفية أو أدبية؛ بل هو استكشاف لجوانب من الذات والوجود البشري، في عالم يمكن للحقيقة أن تكون ما نصنعه، ويمكن للإنسان أن يجد أو يفقد طريقه بين ما هو كائن وما يرغب أن يكون.