-A +A
السفير حمد أحمد عبدالعزيز العامر
تطورات سلبية متلاحقة تعصف بالعلاقات السعودية الأمريكية التي يمتد عمرها إلى أكثر من سبعين عاماً، تقلَّبت خلالها بين مدٍّ وجزر بحسب اختلاف المصالح في المقام الأول، إلا أن التطور الأخطر في تاريخها هو إقرار الكونغرس الأمريكي في جلسته المنعقدة بتاريخ (28 سبتمبر 2016م) على مشروع قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب المعروف بـ(قانون جاستا)، بعد أن صوَّت (348) من أعضاء الكونغرس بالموافقة على تمريره وحصوله على أكثر من أغلبية الثلثين اللازمة ليدخل حيز التنفيذ ويسمح لأهالي ضحايا هجمات (سبتمبر 2001م) -تحديداً- لإقامة دعاوى قضائية أمام المحاكم الأمريكية ضد حكومة المملكة العربية السعودية بدعوى تمويلها تلك الهجمات؛ رغم انتهاء تقرير لجنة تقصي الحقائق إلى براءتها رسمياً من ذلك بحسب إعلان رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في (15 يوليو 2016م).

وفي ظل نظام القطب الواحد الذي يسود العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في (ديسمبر 1991م) على يد الولايات المتحدة وحلفائها في الاتحاد الأوروبي وخاصة بريطانيا، ورغم محاولات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإحياء الدولة العظمى بإثارة المشكلات في شبه جزيرة القرم بعد دخول أوكرانيا عضواً في الاتحاد الأوروبي، وتدخله السافر في سوريا ومشاركته الميدانية بقواته البرية والجوية في ضرب المعارضة في حلب بالتعاون والتنسيق مع نظام بشار الأسد، تبقى الحقيقة وهو أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد تسيير العالم والسيطرة عليه وفقا لمصالحها الذاتية أولاً وأخيراً.


ورغم أن ميثاق الأمم المتحدة يمنع هذا التوجه الأمريكي ويؤكد على استقلال الدول وسيادتها ويمنع التدخل في شؤونها الداخلية، إلا أن المعطيات الآتية هيأت الأسباب لكل الأطماع الأمريكية في المنطقة:

أولاً: تعيش الأمة العربية أسوأ مراحل تاريخها الحديث بانقسامها على نفسها وعلى كافة قضاياها المصيرية وأخطرها القضية الفلسطينية التي تعتبر قضية العرب الأولى والتي لم يتفق عليها العرب إلا في بيانات الشجب في المنابر الدولية، لتنتقل عدوى الانقسام إلى القيادات الفلسطينية ذاتها بين منظمة التحرير الفلسطينية وحلفائها وبين حركة حماس التي تلقى دعماً إيرانياً ضخماً يكرّس الانقسام العربي؛ فكيف تستطيع أمة بهذا الضعف والتشتت حماية استقلالها وكيانها وتنفذ قراراتها السيادية بمعزل عن تدخل القوى الكبرى؟

ثانياً: سعت الولايات المتحدة الأمريكية منذ (سبتمبر 2001م) لتنفيذ خطة (الفوضى الخلاَّقة) المُعدّة بإحكام خصيصاً لتغيير أنظمة الحكم القائمة في الشرق الأوسط باعتبارها أنظمة حاضنة للإرهاب ومنتهكة لحقوق الإنسان المسيّسة خدمةً للمصالح الأمريكية وخططها الاستراتيجية الجديدة في المنطقة.

ثالثاً: إيران.. التي هيأت لها الولايات المتحدة الأمريكية كافة الظروف المساندة لأن تكون ركيزة الأمن الإقليمي باعتبارها الحليف الجديد في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، والساعية معها لتنفيذ أهداف خبيثة مُخطط لها منذ أمَد رغم مزاعم العداء والتوتر الظاهرين بينهما، والذي تؤكد عدم صحته الكثير من الأحداث والشواهد، خصوصاً بعد التوقيع على الاتفاق النووي في (يوليو 2015م)، ورفع الحظر عن الأموال الإيرانية في الخارج وتدفق الاستثمارات الأمريكية والغربية وإعادة فتح السفارات وفتح خطوط الطيران وبدء الشركات التجارية الأوروبية والأمريكية بفتح مراكز لها في العاصمة طهران؛ ما ترتَّب عليه فتح الأبواب على مصراعيها لعلاقات (إيرانية أمريكية غربية) استراتيجية جديدة وترتيبات أمنية هدفها حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة لمَدّ النفوذ الإيراني وإحكام سيطرته على الخليج العربي والعراق وسوريا واليمن.

وبالقراءة الدقيقة لجميع تلك المعطيات؛ لا أرى في (قانون جاستا) إلا بداية أزمة (سعودية أمريكية) كبيرة؛ خاصة بعد التاريخ الطويل للعلاقات بينهما، وتنسيقهما المشترك لتأمين إمدادات النفط لأوروبا وأمريكا وحماية خطوط التجارة الدولية في أعالي البحار، والتحالف السياسي والأمني والعسكري لمواجهة الاٍرهاب، ولربما يفتح هذا القانون الطريق نحو احتمالات عديدة، اكثرها تأثيرا السياسة السعودية الجديدة نحو التوجه شرقاً، والتي بدأتها الزيارات الرسمية نحو (الصين وروسيا والهند وتركيا) التي تهدف إلى تعزيز العلاقات السعودية مع هذه الدول صاحبة الأدوار والمصالح والأهداف والتطلعات في علاقاتها الاستراتيجية الدولية.

وهنا يبقى السؤال حول مدى تأثر نظام القطب الواحد -الذي يتحكَّم في مصير كل ما يجري على كوكب الأرض- بكل تلك التطورات التي يشهدها العالم؟